أحلام مستغانمي في قفص الاتهام

لطالما ربطَ بعضُ الشباب العربي، بينَ فشل الفتيات في مجتمعهنّ عاطفياً، وبينَ ما كتبته أحلام مستغانمي

لطالما ربطَ بعضُ الشباب العربي، بينَ فشل الفتيات في مجتمعهنّ عاطفياً، وبينَ ما كتبته أحلام مستغانمي، سواءَ من باب الدُّعابة والمزح، أو حتى من باب الجدّ، فلا تكاد تسمع بفتاةٍ أضربتْ عن الزواج، أو حتى فشلت في ارتباطها، حتّى تسمعَ من التعليقات ما يصبّ في خانة “الأسود يليقُ بك، خلّي أحلام تنفعك، هذا كلّه بسبب أحلام”.

بل ووصلَ بهم الحال، بعدَ طلاق النجمة الشّهيرة أنجلينا جولي عن زوجها براد بيت إلى كتابة تعليقات وتصميم صور، تجمع صورة الفنانة أنجلينا وهي تقرأ كتاب أحلام الغنيّ عن التعريف “نسيان كوم“، معَ عنوان عريض “هذا سبب طلاق أنجلينا جولي”، لتنهالَ عليها التعليقات من قبيل “تطلّقي، فـ الأسود يليق بك“..

هذه السلسلة من التعليقات الجاهزة والممزوجة بالجد والهزل، بدأتْ منذ صدور كتابها “نسيان كوم”، الكتاب الذي افتتحته مستغانمي بعبارة “يحظر بيعه للرجال”، في إشارةٍ مُعلنة منها، أنّها ترغب ضمنيّاً في أن يقرأه جميع الرجال المتسللّين بدافعِ الفضول أولاً، ورغبةً في معرفة ما يُقال لبنات مجتمعهنّ ثانياً.

أحلام التي جعلتْ من نفسها في هذا الكتاب محاميّة، أو مرشدة، إنْ صحّ التعبير، تقول بأنّ ما جاء في كتابها من نصائح، إنّما لوجه الله، وبمثابة هديّة لبناتٍ وقعنَ في فخّ الرجل “إذا كانت النصيحة بجمل، أكون قد أهديتكنّ لوجه الله، ونكايةً في بعض الرجال، قافلةً من الجمال، وما أبقيتُ لي والله على ناقة ولا جمل”.

لِتُهاجمَ بعدها بوابلٍ من النّقد، الذي اتّهمها بأنها تُسوّق للمرأة على أنّها ضحيّة، وللرجل العربيّ على أّنه مجرم بلا قلب، وهي بذلك – في رأيهم – تسيئُ لبنات مجتمعها دونَ أن تُنصفهنّ، وللرجال أيضا، باعتبارها ألقتْ مسؤولية فشل أيّ علاقة لطرفٍ واحد، دونَ البحث عن أسباب أخرى مشتركة، بعيداً عن كلّ هذا النقد، الذي تعودت عليه أحلام، ومن بابِ الإنصاف إنْ صحّ التعبير، أحلام حاولتْ أن تقدّمَ شيئاً للنّسوة “المكسورات”، فجعلتْ من كتابها “كبسولات دواء”، تنقذهنّ في حال استسلمنّ للبكاء أو الضعف، أوحتى الحنين لمنْ سبّبَ جُرحاً لهنّ، وهذا ما جعلَ مُعجبيها من النساء أضعافهم من الرجال، على الرّغم من أنّها صرّحتْ في كتابها نفسه، بأنّها سَتعمدْ لتأليف كتاب ضدّ النساء في حال فَشِلْنَ في سماعِ نصائحها والعمل بهنّ.

أي أنها ترغب في أنْ تكون للنساء قيمة وموقف، وأنْ لا تتوقفَ حياتهنّ على رجل مرَّ يوماً، فأشعلَ فتيلاً، أحرقَ وراءه كلّ شيء، ومضى! أحلام التي أسرتْ قلوبنا بثلاثيّتها الشّهيرة، منذ صدور ذاكرة الجسد، التي نالتْ نصيبها من النقد الذي كان يدور بمُجمله حولَ منْ كتبَ لأحلام هذه الرواية! في إشارة إلى الشّاعر السوريّ الكبير “نزار قبانيّ”، الذي قدّم إهداءً لها وضعته في كتابها كَ “تاج” زيّنتْ به روايتها.

ذاكرة الجسد التي تحدّثتْ فيها عن الثورة الجزائرية ومجرياتها، كتبتْ بعدها فوضى الحواس، عابر سرير، فَالأسود يليق بك، والتي تناولتْ فيهنّ مواضيعَ حساسة في مجتمعاتنا، بأسلوبٍ يعتمد على السّجع والكلمات المُنمقة، والأسلوب السّاحر الذي يأسرك ويدفعكَ لتنهي الرواية منتظرا ما سيأتي بعدها من روايات، لا أستطيعُ أن أنكر بأنني من أشدّ المعجبين بمؤلّفاتها، وبأنّ استخدامها للمرأة كَرمز للوطن من جهة، وللعشيقة من جهة أخرى، مكنّها من حفر اسمها بينَ الأسماء الكبيرة للكتّاب العرب. كأول جزائريّة تكتب باللغة العربية الفصحى المليئة بالشّاعرية والإبداع. والذي فتحَ الباب أمام القارئ العربيّ، ليتعرّفَ على عادات وثورة بلد عظيم كالجزائر.

أحلام مستغانمي التي يقرأُ لها الكثير، ويقتبسُ عباراتها الكثير أيضاً، حتى أولئك الذين ينتقدونها ويصنّفونَ أنفسهم على أنّهم ليسوا من معجبيها، تجدْ صفحاتهم بينَ الفيْنة والأخرى، وقد حملتْ عبارة أو جملة من مؤلّفاتها، تناسب الحالة التي يتحدثون عنها.

أحلام مستغانمي التي يُنسَبْ لها الكثير أيضاً من العبارات التي لم تقلها، ولم تكتبها يوماً، والتي تدور كلّها حول “تطلّقي، لا تتزوجي، ثوري، لا تهتمي، دعيه يذهب.” استطاعتْ جذبَ القرّاء للتّهافُت على مؤلّفاتها فورَ صُدورها، سواءَ أكانوا من معجبيها أو حتّى مُنتقديها، لدرجة أنّك إذا سألتَ أحداً من جيل الشّباب العربيّ مَنْ تعرف من الروائيين ولِمَن قرأتْ؟ سَيضع اسمها من بين الأسماء الأوائل، وإذا نظرتَ إلى عديدِ الجمل التي يقتبسُها الشّباب، لَوجدتَ أغلبها عبارات من مؤلّفاتها.

أختتم قولي بعبارة قرأتها يوماً لإبراهيم مبارك، يقولُ فيها “الكاتب الحقيقيّ هو الذي يحدّثكَ عن البحر، فَتتحسّس المُلوحة في فمك، باحثاً عن حلول سريعة في إمكان تحويل سريرك إلى زورق، لو فاضَ الماء من زوايا الغرفة.”.. في حين إيجادنا لأكبر عدد من هؤلاء الكتّاب، أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة دائماً.

كاتبة التدوينة: خولة شنوف

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version