كنت ولا أزال أحاول فهم طبيعة المجتمع المغربي، سواء من خلال خوض عدة تجارب في أوساط مغربية مختلفة، أو من خلال ملاحظة سلوكيات لبعض الأشخاص. وقد تأكدت اليوم أن المجتمع المغربي لا يزال يعيش حياةً غريزية محضة، لا تتعدى البحث عن المأكل والمشرب والسكن والتكاثر، حتى لو كانت هذه الحياة تستخدم كل وسائل المكر والخداع وانحلال الأخلاق في تعاملات الناس اليومية، أو في علاقتهم مع باقي الأفراد والمؤسسات، وعلى حساب حياة أرقى وأسمى منها تشمل القيم المثلى للإنسانية، والتي تنظم كل ما هو: ديني، أخلاقي، وطني، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، وروحي.
إن المجتمع المغربي بتخليه عن هذه القيم أصبح يعيش مشاكل خطيرة في كل المجالات المذكورة سابقا سببها الرئيسي الأسرة قبل أن تكون المدرسة، والدولة قبل أن تكون البيئة أو يكون المحيط.
الحديث عن هذا الموضوع في هذا التوقيت بالضبط، يدخل في سياق خاص، وهو تنامي بعض التصرفات الشاذة من طرف بعض شرائح المجتمع، فنرى اليوم كل ما يحدث من تحرش وإرهاب وجرائم وغش وعدم تفاني الموظفين في أداء أعمالهم..
وإذا قمنا بتحليل أسباب اندثار القيم والأخلاق في هذا الوطن الجريح فسنأتي إلى ذكر دور التربية في الأسر والتي لا تهتم بمستقبل أبنائها ولا تقوم بتربيتهم على مبدأ الدراسة وتقبل وإحترام الآخر، وإنما على مبدأ آخر وهو الحصول على وظيفة تمكنه من الخروج من الفقر المدقع، مما يؤثر على مستوى التعليم لدى الطالب، فتتأزم أخلاقه.. كيف لا يحدث هذا والأسر المغربية تعيش أزمات اقتصادية واجتماعية كالفقر والأمية، تمنعها من بناء جيل واعي مثقف.
رغم هذا الدور الرئيسي للأسرة، إلا أنه لا يجب إغفال دور الدولة والتي تتحمل مسؤولية فشل المنظومة التربوية، بسبب وضعها لفوارق اجتماعية وتفضيلها هذا عن ذاك، فأصبحت الجامعات المغربية مسرحا للصراعات السياسية، الجامعات التي كانت منذ القديم منشئاً لأكبر علماء وفلاسفة العصر.
كما أدى ربط التعليم بالتوظيف، إلى إعطاء صورة سلبية لدى الطلبة مفادها أننا نقرأ من أجل الحصول على وظيفة كيفما كانت، الشيء الذي يمنعهم من الإبداع، ولا يساعد على تشجيع البحث العلمي لدى الطلاب، وهذا ما على الدولة تصحيحه، حتى يصبح هم التلميذ والطالب هو جمع المعلومات وبناء الثقافة الفكرية، عِوَض التحصيل العلمي المبني على فراغ رغم النقاط العالية، فالاجتهاد في الامتحانات لا يحكم بتاتا على المستوى الفكري للإنسان.
إن الفوارق الاجتماعية التي تضعها الدولة، والتهميش الممنهج ضد بعض الفئات الفقيرة، وكذا التوزيع غير العادل للثورة، أصبح يطرح نفسه وأدى إلى ظهور مجتمعات فقيرة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
واليوم يبقى لنا بصيص من الأمل وهو الشباب الصاعد، الذي وجب عليه أن يكون طموحا أكثر، كما على كل فعاليات المجتمع المدني المغربي، أن يتجندوا جميعا لبناء المغرب الحديث، فيتحول من بلد نامي إلى بلد متقدم.