“تكوّنت بداخلنا كُتل، قد تُشبه ملامِحنا، كأنّها خيالات سكنت بنا، تقَّمصتنا، جابت العالم مُنتحلة أشلائنا، كأنَّها بقايا من اللاشيء، بل تُشبه كل شيء غاص بأعماقِنا”.
أرى أن المتناقضات بهذا العالم دائما ما تُكوِّن صوراً جميلة، في جوهرها اختلاف، تمايُز، تنوُّع تجدُها تتصارع في بداياتِها، يقُوم السلم من على أنقاض الحرب، فينقلب التوتُّر أمنًا يُسكِنُ بداخلنا أشياءً جديدة لم نعِشها من قبل، قد لا تُشبه شيئًا مرّ علينا من قبل فنحسبُها لا شيء، لكنَّها بعد حينٍ من التأمُّل تُزهر حوْلنا وفينا كأنَّها كل شيء.
هو الحب الذي يُدغدغ أعماقنا بفرحة مُختلفة، بنسمة تُوقظ بركاناً خامداً، لو نظرنا لوجدناها تفاصيل بسيطة لا ننتبه لها في بداياتها كأنّها بذرة اختارت الأرض مسكنًا، فكان ذاك الغيْث الذي أطلق العنان لعِطِرِ وردة، هي أشياءٌ صغيرة جداً كالبذور تحملها إلينا رياح الحياة الموسمية لا تشغلُ لنا بالاً نحسبُها بلا معنى، فيتدفَّق منها كل جوهر ثمين، هي الآن مُهملة، لكنها لا محال في زوايا القلب نابضة…
ذلك الكتاب الذي اشتريته من شهرين أو ثلاث، لكنّك لم تُعطه من وقتك دقائق، تجدُه يرمُقك من ذاك الرَّف لعلَّك تفتحه وتتذوَّق من سُكرّه ما يقتل مرارة مِزاجِك، ويُحي بداخلك حُب الكلمات لكنَّك تجاهلته، لماذا يا تُرى: “لأنّك دخلت إلى البيت، وصلتك رسائل كثيرة بالبريد الإلكتروني شغلك الرّد عليها وأخذ من وقتك الكثير، نعم جميل أن تتواصل مع العالم وتقضي أمورك فذاك جزءٌ من عملك، لكن… في ذلك الكتاب حوارات ورسائل عديدة ليس لها همٌّ أن ترُّد عليها، شُغلها الوحيد أن ترُّد عن تساؤلات لا تزال عالقة بزوايا فضولك، حتى الكتاب يستحق منك اهتماماً، هو شيء من الحُب القابع بيْن الرفوف”.
هل تذكَّرت في هذا الحر تلك العصافير التي لم تتأخر يوماً عن موعدها، تأتيك مُزقزقة بأحلى الألحان وأعذبها، تفتح عيْنْيك على إيقاعها وتبتسم، لكن لم يخطُر على بالك أن تسقيها ماءً بارداً مُنعِشاً، فكما جادت هي بحُبِّها، اجعل من عطائِك فرحة تسكُنها، وما أدراك أنت ربما هي أيضاً تشعر بالاهتمام وتبتسم مُغرِّدة، وزِّع الحُب بقليل من الماء واجعل يومك مُختلفاً بالعطاء…
يمكن أنَّه قد صادفك من قبل صديقُك العنيد، إذ أنكما في أول مرة تشاجرتُما، هو مُختلفٌ عنك في تفاصيلٍ كثيرة، هو هادئ يُحب القراءة والجلوس في الطبيعة، وأنت تُحب المرح كثيراً وضوضاء المُدن، في البداية يصفك بالمُزعج وأنت تصفه بالمُمِل، وفجأة يحدث ما لم يتوقعه أحد يتغيَّب عن الجامعة، فتُلاحِظ أنَّ المكان ينقُصه شيءٌ ما، تحن لشجاراتِكُما التي تنتهي بابتسامة عفوية، في تلك اللحظة يتكوَّن داخِلكما الاهتمام، يجمع بينكما إحساسٌ جديد يدفِن تناقُضاتكما في قالبٍ واحد، في حُبٍ واحد.
“هُناك أشياء كثيرة في حياتِك لا تزال غافِلاً عنها، حاوِل أن تنتبه لها وتُعطيها بعضاً من اهتمامِك لعلّ فيها فرحة تنتظِرُك، لعلّها بُستان أكل منّه الجفاف وينتظِرُ غيْث حُبك ليُزهر، حاوِل فقط أن تتأمّل مُختلف الزوايا، بادر بالعطاء، كُن أنت أوَّل من يسأل إن باغت الجفاء قُلوب من حوْلك، فاليوْم أنت موْجود وقلبُك ينبض، لكن هل الغد سيحمِل ملامِحك يا تُرى، حتى ولو رحلت لن ِّيجِّف عِطرُك من قُلوب نبضت يوْماً باسمك، وتذكَّر أننا لا نطلُب الاهتمام من أحد، لا نشحذ الحُب من القلوب، لكنّنا نُدمن العطاء لأن شمسه لا تغيب”.
كاتبة التدوينة: ليندة طرودي