أُريد أن أكتب

أرسلت لصديقتي لأخبرها “أريد أن أكتب الحروف مُبعثرة أمامي، أتتذكرين الفيلم هذا عن التعليم للطفل كيف كان يرى الأحرف تتراقص وتتطاير أمامه أنا مثله أيضًا”، أريد أن أكتب، يلح علي الأمر كل يوم بل كل حين، دائمًا ما أتحدث كثيرًا، أتحدث بما لا أريد التحدث عنه، أختلق حديثًا وينتهي المطاف بي بأنه ليس حديثي فأتظاهر بالفكاهة وأصمت..

أُحب الصمت وأخشى الكلام كخشي السقوط في النار حقًا أتوتر ويذهب عقلي هنا وهناك لأتوه من الشخص في الزحام، أحب الاستماع أكثر ومع ذلك يحدث العكس، يفعل المرء دائمًا ما يخافه، يكذب الآخرون حين يقولون نتجنب ما نهابه؛ بالعكس بل نسقط فيه سقوطًا طاغيًا علينا كُليًا وكأنه فينا ومنا.

أريد أن أكتب عن الطفل الذي بكى كثيرًا أمامي لأن أمه صفعته على وجهه، لأنه سقط واتسخت ملابسه بدون قصد، وأن أكتب عن صديقتي التي تعيش بين الألوان وعقلها في عالمها وجسدها في عالمنا وهي بين هذا وذاك تائهة، أريد أن أكتب عن مدى روعة نبتتي، كيف كانت لكنها ماتت لأني تركتها فعاقبتني برحيلها، وكيف حزنت عليها، أريد أن أكتب عن الفتاة التي لا تعرفني ولا أعرفها، وفقط جلست بجانبي وبكت كثيرًا، ثم طلبت مني منديلًا فأعطيتها لتقص علي لماذا بكت هكذا، ثم شكرتني ورحلت وجعلتني مُثقلة بقصة جديدة، لم تسألني عن اسمي ولا من أنا، فقط اتبعت الطريقة المثلى لتُلقي بثقلها على الغرباء وتختفي، شخص جديد عِندي وقصة جديدة وهكذا، وعن طفلتي المميزة التي أخبرتني حين أكبر سأكون مثلكِ، سأكون جميلة، لأخبرها بأنها الأجمل، لتُجيب بفرحة متهللة لست مثلكِ أنا أحبك بحجم هذا العالم كله، “هذا العالم الذي لو علم قلبها لن يسع الحُب الذي بداخله” فتدخل سرور على قلبي..

وعن أمي التي أعدت حلوتي المفضلة لتضعها أمامي، صنعتها من أجلكِ هل أنتِ سعيدة الآن؟ لأُجيبها مبتسمة فحسب، وألتهم حلوتي كلها التي كانت مليئة بالحُب، وعن صغيرتي التي تكبر وتسأل كل يوم سؤال أكبر منها ومني لنبحث عن الإجابة سويًا في مغامرة من مغامراتنا الجديدة، وعن الزهور التي تُزين الطريق الذي مررت به ذلك اليوم، كم كانت مزهرة جميلة، أتمنى لها أن تظل هكذا، لكن لا شئ يدوم ستذهب وستأتي بعدها أخرى وهكذا هي الحياة، وعن هذا وذاك أريد أن أكتب لا للتباهي؛ بل لأن الحروف تصنع القصص وتُنير كل ظُلمة الكتابة، تنقذنا من أسوء ما فينا وأسوء ما حولنا تُنقذنا من أنفسنا ومن الآخرين والظُلمة والوحدة أيضًا..

إحدى نِعم اللّٰه علينا ومعجزاته التي وهبها لنا، من حافية الهاوية في الكتابة تجد مستقرًا وعالمًا وحديثًا صامتًا وقلبًا خاليًا تجد الآمان والحُب والأنس، حين أكف عن الكتابة سأكون اكتفيت وسيكون دوري انتهى سأرحل لأترك خلفي كلمات إما أن تكون نورًا أو ظُلمة وتضيع هباءً وأُنسى وتُنسى كأن لم أكن يومًا صاحبتها ولم تكن هي يومًا تتردد في أُذن وفِعل وقلب أحدهم، لذا أسأل الله دائمًا أن أكون نورًا وتكون كلماتي كذلك مصباح في الطريق ورفيق لكل وحيد في العالم، هذا العالم الذي لا تُعني كلماتي له يومًا وربما لن تُعني، فكُل الذي كان يُعني للعالم شئ لم يكُن يُعني لي شيئًا يومًا، وكل الذي كان يُعنيني لم يُعني للعالم ولو للحظة وكأني أهتم بأصغر ثُقب يوجد بالكوكب لا يراه غيري زهرة بيضاء تتفتح وذو جمال مُزهر..

Exit mobile version