استفتاء كتالونيا .. الصراع بين قداسة الديمقراطية وشرعية القانون – كتالونيا نموذجا
يتمثل الإشكال الأساسي في العلاقة بين الدولة كوحدة سياسية وجغرافية لها مُثُلُها وثقافتها العليا المبنية على الهوية الترابية واتفاق الأفراد على الانتماء إليها وبين الثقافات المحلية التي تصبح في بعض الأحيان منافسة لها.
منطق الدولة يقضي بأنها تنظيم له الأولوية على التنظيمات الأخرى داخل تلك الهوية الترابية. إن ظاهرة الحدود والدولة الوطنية ظاهرة جديدة في التاريخ البشري ولم تستقر إلا بعد الربع الأول من القرن العشرين. خلال هذا المسار السريع ظهرت دول وانقسمت أخرى أو اختفت وذلك في كل أنحاء العالم.
والملاحظ في هذه السيرورة أنها تخضع إلى ما يمكن أن نسميه “بالاعتباطية التاريخية” فالاستقرار المصاحب لمسار تشكل الدولة يتوقف على مدى قوة الحكم المركزي عبر التاريخ وكذا توفر الموارد المساهمة في هذا التوازن مع خلق سبل النجاح في بلورة توافق مجتمعي حول الهوية الترابية كفيل بتقزيم الطموحات المحلية نحو الانفصال عن حضن الدولة الأم أو حتـى المطالبة بحكم ذاتي بصلاحيات موسعة كأعلى سقف .
إن كتالونيا كإقليم، الذي أنشئ وفقاً لقانون 1833 خاضع للمملكة الإسبانية ذا حكم ذاتي بصلاحيات موسعة تقع في الشمال الشرقي تضم 17 منطقة وعاصمتها برشلونة لغتها الرسمية الكاتالونية وهو سادس أكبر مساحة داخل التقسيم الترابي الإسباني يقطنها حوالي 7 ملايين ونصف نسمة أي %16 من مُجمَلِ ساكنة إسبانيا.
الدستور الإسباني ونظرته لـ استفتاء كتالونيا
يُعد الدستور الإسباني لعام 1978 تتويجاً لعملية الانتقال إلى الديمقراطية الإسبانية، تعترف المادة الثانية من الدستور بحقوق المناطق والقوميات في الحكم الذاتي.
وتعلن وحدة لا انفصام الأمة الإسبانية حيث يقر: بوحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصل، وطن كل الإسبان الذي لا يقبل التجزئة؛ ويضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والمناطق التي يتكون منها ويضمن ويعترف بالتضامن فيما بينها.
للإقليم سلطة تشريعية يمثله برلمان كتالونيا ويتألف من 135 نائبا برلمانياً يمثلون مقاطعات الإقليم، حصل حزب التقارب والاتحاد في عام 2012 في الانتخابات التشريعية وهو حزب يدعو للانفصال على أكبر قدر من المقاعد تلاهُ حزب اليسار الجمهوري الذي دخل في تحالف مع الحزب الفائز على نهج دعم توجهه الانفصالي ولقد تمكن الائتلاف الحزبي في العام الموالي من إقرار وثيقة الاستقلال بالغالبية مفادها حق تقرير المصير من خلال استشارة سكان إقليم كتالونيا.
أسباب الدعوة إلى استفتاء كتالونيا
إقليم كتالونيا له تاريخ طويل من القمع والاضطهاد على يد الأغلبية الإسبانية ومن المحاولات المتكررة للتخلص من سيطرة الحكومة المركزية في مدريد ونيل أكبر قدر ممكن من الاستقلالية على مدى قرون عديدة.
تعود جذور الانفصال سياسيا إلى إرث تاريخي في القرن الثاني عشر 1131-1162، حيث تزوج كونت برشلونة رامون بيرينغير بابنة ملك أراغون الذي فضل الاعتزال عن الملك والاعتكاف للتعبد، تاركا الحكم لزوج ابنته، وكان من نتائج هذا الزواج وحدة إقليمية بين مقاطعة برشلونة ومملكة أراغون.
لكن على الرغم من هذه الوحدة تحت لواء التاج الجديد، حافظت كل منطقة على استقلالها عن الأخرى، متمتعة كل واحدة بقوانينها وأعرافها ومؤسساتها.
وقد احترم التاج الأراغوني بدقة تلك الخصوصيات والامتيازات، حين تولى عرش إسبانيا الملك فيليبي الخامس مطلع القرن الخامس عشر فقد ألغى كل الامتيازات التشريعية والمؤسساتية التي كانت تحظى بها كتالونيا، وفرض اللغة القشتالية على جميع المناطق والجهات لتصبح هي اللغة الإسبانية والرسمية.
كما كرّس نظام حكم مفرط في المركزية، وذلك بموجب قانون 29 يونيو 1707، الأمر الذي أثار الاستياء في أراغون وجزر الباليار وفالينسيا وكتالونيا لكون تلك الجهات لها لغاتها الخاصة بها، الأمر الذي ستكون له انعكاساته لاحقا.
غير أن أهم الأحداث التي بصمت إسبانيا في العمق هي التي حصلت خلال حكم الملك فرناندو السابع بالخصوص ما بين 1808-1833، حيث عرفت منطقة كتالونيا عدة انتفاضات شعبية، ازدادت حدتها إثر موته.
لكن سرعان ما تم قمعها بعد إعلان الملكية من جديد في 1874 إثر إنتفاضة عسكرية بقيادة الجنرال مارتينيس كامبوس.
الجنرال فرانكو والتعامل مع كتالونيا
عام 1936 قاد الجنرال فرانكو انطلاقا من الأراضي المغربية تمردا عسكريا ضد الجمهورية الحديثة الولادة بمساعدة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية بهدف الإطاحة بالجمهورية الوليدة، تحول تمرد فرانكو إلى حرب أهلية شاملة استمرت من 1936 إلى عام 1939 وخلفت مئات آلاف القتلى والمنفيين.
وشهدت المدن الإسبانية دمارا واسعا نتيجة قصف الطائرات الألمانية والإيطالية للمدن التي كان يسيطر عليها الجمهوريون.
كانت فترة حكم الدكتاتور فرانثيسكو فرانكو أياما عصيبة على إسبانيا من قمع لكل الحركات المنادية بالانفصال، مات فرانكو عام 1975 ودخلت إسبانيا مرحلة التحول الديمقراطي ونشطت الأحزاب السياسية في كتالونيا حيث شهدت برشلونة عام 1977 مظاهرة ضخمة شارك فيها مليون شخص مطالبين بالحرية وبإصدار عفو عن المعارضين السياسيين ومنح الحكم الذاتي للإقليم.
في مطلع القرن العشرين، تطورت الحركة الثقافية بكتالونيا إلى شعور قومي متنامي لا يقف عند حدود المطالب اللغوية والثقافية، بل تعداها إلى تشكل حركة ذات بعد سياسي يطرح في الساحة مفهوم المقومات القومية مطلب الانفصال هذا راجعٌ للحيوية الثقافة المحلية الكاتالونية.
لقد سبق للكتلان أن أعلنوا قيام جمهوريتهم مرتين في 1640 و 1931، ولكن التفوق العسكري للملكية الإسبانية حال دون استمرارها في الحالتين.
منطق الكتلان واضح: لقد اخضعتمونا بالقوة عبر التاريخ، اليوم لن تستطيعوا فعل ذلك لأن الديموقراطية تمنعكم ولهذا سوف نقرر مصيرنا بكل حرية.
تجذر الإشارة إلى أن إقليم كتالونيا أغنى إقليم إسباني على المستوى الاقتصادي والثقافي.
في إسبانيا بدأت مرحلة سياسية جديدة نتيجة التدافع السياسي السلمي في المؤسسات الديموقراطية وفي الشارع ووسائل الاعلام، حيث شكل الإيمان بتوفر المقومات الثقافية والاقتصادية عاملا أساسيا في دعم فكرة الانفصال، يشغل إقليم كتالونيا نحو 6.3% (32.114 كيلومتر مربع) من مساحة إسبانيا، إلا أن أهميته تتجاوز مساحته الضئيلة إلى حد كبير ويحقق اقتصاده البالغُ 215.6 مليار يورو، والتي تفوق اقتصاديات معظم بلدان منطقة اليورو، وفقاً لما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
كما يحقق الإقليم أكثر من خُمس الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا، بينما تمثل صادرات كتالونيا البالغة 65.2 مليار يورو أكثر من ربع إجمالي صادرات الدولة. وتصل نسبة الاستثمارات الأجنبية، البالغة 37 مليار يورو، أكثر من ربع الاستثمارات الواردة إلى إسبانيا، وتقل نسبة البطالة في كتالونيا إلى حد كبير، وتنخفض معدلات التفاوت في الدخل عن بقية أنحاء إسبانيا. ويصل معدل البطالة بالإقليم إلى 13.2%، مقارنة بنسبة 17.2% في إسبانيا ككل.
إن عودة الانغلاق الثقافي في السنوات الأخيرة بسبب التشكيك في البناء الأوروبي وذلك تحت تأثير مخلفات الأزمة المالية من 2008. قد نضيف إلى ذلك تبعات زيادة التطرف والخطر الإرهابي وما أفرزه من تشكيك في قدرة الدولة على الدفاع عن الخصوصية الثقافية المحلية تشكل عاملا أساسيا لمطالبة الكتلان باستقلال دولتهم.
صوت أكثر من خمسة ملايين ناخب على استفتاء تقرير مصير إقليم كتالونيا، الذي تعتبره مدريد غير شرعي متعهدةً بمنعه وأنه لن يتم إجراؤه. مقابل ذلك أصرت الأحزاب الاستقلالية على أن الاستفتاء والتصويت سيتم مهما حاولت الدولة
تصدت إسبانيا، الإثنين 2 أكتوبر/تشرين الثاني 2017، بمنع كتالونيا من إعلان استقلالها غداة تنظيم استفتاء تقرير المصير استخدمت الشرطة الهراوات والرصاص المطاطي لقمع المظاهرات وإحتلال مراكز الاقتراع مما دفع بالأمم المتحدة إلى دعوة مدريد للتحقيق في أعمال العنف في ظل أسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ عقود.
حسب المتتابعين للشأن الإسباني والقضية الكاتالونية على وجه الخصوص ذكر المحلل السياسي البشير محمد لحسن، تقييما لسير استفتاء كتالونيا بعد ساعات من فتح مراكز الاقتراع:
رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسبانية لمنع التصويت، وتأكيداتها المتكررة أن الاستفتاء لن يتم.
شرع الكتالونيون في التصويت في تمام الساعة التاسعة في أغلب مراكز الاقتراع وتدخلت قوات الشرطة والحرس المدني لإغلاق مراكز الاقتراع ومصادرة الصناديق وبطاقات الناخبين، بعيد إنطلاق الاستفتاء لكن في بعض المراكز تُستأنف عمليات التصويت بعد مغادرة الشرطة.
خلف الاستفتاء أعمال عنف واسعة، حيث أصيب أكثر 900 شخص، نتيجة محاولة أجهزة الأمن المركزية منع إجراء الاستفتاء.
أضاف المحلل السياسي البشير محمد لحسن بعض المعطيات لفهم ما يجري في كتالونيا:
أولا: مشكلة حكومة مدريد الرئيسية هي أنها لا تمتلك مخاطب في كتالونيا.
فالحزب الشعبي الحاكم لم يحصل سوى على 11 مقعداً في برلمان كتالونيا في انتخابات 2015، بينما لا يتجاوز عدد مقاعد الحزب الإشتراكي 16 مقعداً، أما حزب ثيودادانوس فهو الأحسن حظاً بحصوله على 25 مقعداً.
كل هذه الأحزاب، وهي تؤيد خطوات حكومة راخوي، عجزت عن الحصول على أغلبية في برلمان الإقليم. بينما حصل تحالف الحزبين الاستقلاليين الرئيسين على 62 مقعداً، يضاف إلى ذلك 10 مقاعد لحزب لاكوب من أقصى اليسار، ليشكلوا أغلبية مطلقة بمجموع 72 نائباً من أصل 135. هذه الأحزاب طرحت مشروع الإستقلال في برنامجها الانتخابي، وعلى ضوئه صوَّت لها الناخبون الكتلان.
ثانيا: تقول الأحزاب الاستقلالية أنها طالبت الحكومة الإسبانية في 18 مناسبة منذ 2010 بالتفاوض على إجراء الإستفتاء، لكن رد الحكومة المركزية كان سلبياً في كل تلك المناسبات، وهو ما دفع تلك الأحزاب للجوء إلى الإرادة الشعبية وتقديم مشروع الإستفتاء الذي صادق عليه برلمان الإقليم مطلع سبتمبر المنصرم وكانت نتيجته تنظيم الإستفتاء.
ثالثا: بعد عجز حكومة راخوي اليمينية وحكومة الإقليم عن الإتفاق حول الاستفتاء لجأت الأولى للقضاء والشرطة والحل الأمني من باب آخر الدواء الكيّْ. بينما استعانت حكومة الإقليم بالشعب في استعراض لشعبيتها وإظهار التأييد الشعبي الكبير للمشروع الاستقلالي.
هل أصبح التعايش بين مدريد وبرشلونة شبه مستحيل؟
يعتقد المحلل السياسي أن التعايش بين مدريد وبرشلونة أصبح شبه مستحيل، وعلى الطرفين البحث عن حل سياسي وليس قضائي أو أمني.
فالشرخ الشعبي عميق جداً لدرجة أنة وصل إلى مؤسسات الدولة، كجهاز الشرطة المحلية الذي عصى أوامر القضاء بإغلاق مراكز الاقتراع وشاهدنا مشادات بين عناصره وبين عناصر الشرطة الوطنية الإسبانية والحرس المدني.
لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل تجاوزه إلى الكنسية ذاتها. هذه الأخيرة كانت تاريخياً تقف إلى جانب اليمين وحكومة الحزب الشعبي اليمينة المدافعة عن وحدة إسبانيا.
لكن جزء من الكنيسة الكاثوليكية الكتلانية أعلنت عن تأييدها للاستفتاء وهو ما عكسه البيان الذي وقعه 420 من أساقفة ورهبان الكنسية الكتلانية.
لجأ رئيس الإقليم للمناورة باستبعاده إعلان الاستقلال من جانب واحد، لكنه اليوم يعود ويؤكد أن نتائج الاستفتاء سيتم نقلها للبرلمان بغرض تحديد تاريخ الاستقلال.
يذكر أن رئيس إقليم كتالونيا كارلس بيغديمونت، أعلن الأربعاء، أنه سوف يعلن انفصال الإقليم على إسبانيا خلال أيام. وذلك بعد استفتاء حظرته الحكومة.
وقال بيغديمونت عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء، في خطاب متلفز مساء الأحد الماضي في برشلونة، إن الكتالونيين كسبوا الحق بأن تكون لهم دولة مستقلة بعد نزول الملايين منهم للمشاركة باستفتاء على استقلالهم حظرته الحكومة المركزية الإسبانية.
وأعلنت حكومة كتالونيا أن نحو 2.26 مليون شخص أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء وأن 90 في المائة منهم صوتوا لصالح الانفصال ويمثل هذا نسبة إقبال تبلغ نحو 42.3 في المائة من إجمالي عدد الناخبين في الإقليم والذي يبلغ 5.34 مليون شخص.
استفتاء كتالونيا والمحكمة الدستورية
يشار إلى أن المحكمة الدستورية في إسبانيا حظرت إجراء استفتاء الاستقلال واعتبرته غير قانوني ولا ينسجم مع الدستور الإسباني حيث وجه العاهل الإسباني الملك فيلبي السادس ليلة الثلاثاء خطابا إلى الشعب متهما فيه حكومة كتالونيا بعدم الولاء ومطالبا مؤسسات الدولة بتفعيل القانون للحفاظ على وحدة البلاد بعد استفتاء تقرير المصير الذي شهدته كتالونيا الأحد الماضي.
وأعتُبِرَ خطاب الملك الإسباني تحذيريا، فهو يوجه أمرا إلى المؤسسات الشرعية للحفاظ على وحدة البلاد تماشيا مع الدستور ولم يتأخر رد الحكومة الكتالونية، فقد قال مستشار رئاسة حكومة كتالونيا والناطق باسمها جوردي تورول يومه الأربعاء بأن الملك فيلبي السادس يتصرف وأنه ناطق باسم حكومة الحزب الشعبي في مدريد، مضيفا “لم يتصرف كملك بل كرئيس محكمة، خطابه يعتبر خطئا من مختلف وجهات النظر”.
كما اعتبر الخطاب غير مسؤول بالمرة لأنه لم ينادي بالحوار ولم يتحدث عن الجرحى الذين سقطوا جراء التدخل العنيف للشرطة والحرس المدني، وبينما خلف خطاب الملك ترحيبا من طرف الحزب الشعبي الحاكم وحزب اسيودادانوس الليبرالي الذي يوفر للحكومة النصاب القانوني، تحفظ نسبيا الحزب الاشتراكي على الخطاب لأنه لم ينادي بالحوار، بينما نددت أحزاب اليسار الراديكالي والأحزاب القومية بمضمون الخطاب لأنه يُؤجج الأوضاع أكثر ولا يساهم في الحل.
أمام هذه الأزمة التي لم تشهدها إسبانيا منذ عقود والذي تهدِدُ الديمقراطية الإسبانية..
يبقى المشكلُ الأساسي في تأجيج الأزمة في إسبانيا، هو سياسي بالدرجة الأولى ويتعلق بسيطرة اليمين على الحكم في كلا العاصمتين الإسبانيتين، حيث يتعنتُ الحزب الشعبي الحاكم في إعادة النظر في النظام الجبائي ومساهمة الكتلان في تمويل الدولة الإسبانية، فكانت النتيجة أن رفعت حكومتهم السقف وطالبت بالانفصال، ونظمت بالفعل استفتاءا رمزيا حول الوضع، الضعط الشعبي في كتالونيا كان يرتفع وتمترس الكتلان في الشارع مصممين على استقتاء بدون توافق، ولكن الحكومة الإسبانية اختبات خلف المحكمة الدستورية ورفعت شعار القانون قبل الديموقراطية..
هنا نطرحُ السؤال؟؟
هل الديمقراطية كمفهوم بإمكانها تجاوز شرعية القانون؟…
إن كلا الطرحين على خطأ واضح، في الديموقراطية القانون غير مقدس وغير ثابت ويمكن تغييره في أي لحظة، أيضا الاستفتاء بدون ضمانات قانونية ليس لديه أي شرعية ديموقراطية، وهذا ما حدث اصطدام بين قطارين من نفس النوع والحجم والطبيعة.
إن الديمقراطية كمفهوم يعد من أكثر المفاهيم مرونة، فهو كمفهوم واضح لا لُبس فيه من حيث دلالته أي من حيث الشكل، إلا أنه يطرح إشكاليات متعددة عندما يوظف تجاه المصالح الفردية أو الفئوية، كذلك من حيث البنية الثقافية والمعرفية والاجتماعية لكل مجتمع أو أمة أو شعب.
أما سيادة القانون فإننا نتحدثُ عن دولة أوربية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والحريات وتكرسُ ثقافتها قياسا إلى دول أخرى، وتعتمد مدريد على حكم الدستوري بعدم دستورية تنظيم استفتاءات تهدد وحدة الأمة الإسبانية.
الأمر الذي سيفتحُ شهية الأقاليم الإسبانية الأخرى كإقليم الباسك الذي خاض هو الآخر حروبا شرسة ضد المركزية. في ظل حالة الجمود السياسي، تبقى النتيجة التي يعلنها خبراء السياسة على القنوات الإسبانية نهاية دستور 1978.
إن الجدلية القانونية والفلسفية القائمة لكل تجاه تستوجب حلا سياسيا يرضي كل الأطراف لينزع فتيل الأزمة.