من منا لم يفزع قلبه من الحوادث والمصائب، من منا لم تذرف عيناه دما عند تلقيه خبر موت أطفال صغار في حروب الكبار. حتى أضحينا نتساءل: ماذا يجري للعالم؟ وإلى متى ستغوص البشرية في سلسلة سفك دماء الأبرياء وتشريد عائلات وسلب طفولة صغار.
من منا لم تشد أنفاسه عند تصفحه الجريدة، أو مشاهدة الأخبار. فترى هذا قتل رفيقه، والآخر اغتصب فتاة، رضيعة رمتها أمها في مطب النفايات، مسن يعاني من قساوة البرد ولا يجد العون. وكأن البشر تجردوا من إنسانيتهم، وتحجرت مشاعرهم حتى باتت دون رحمة.
أثناء رحلتي في استكشاف العالم، قبلت أنه شاءت الأقدار أن يتوج الله الدنيا بالخير والشر، الصلاح والفساد، المحبة والبغض، فيطفوا الصلاح والخير والمحبة فوق الماء، ويغرق الشر والفساد والبغض نحو الأسفل. ولهذا فنحن من نصنع مصيرنا، أن ننجو أم نغرق!!
أثناء رحلتي في استكشاف العالم، تعلمت أن أخضع نفسي لمبدأ: لن أعيش إلا هذا اليوم. حينها، سأزرع الخير، أسدي الجميل، أغرس في قلبي الفضيلة وأجثت منه شجرة الشر بغصونها الشائكة.
لليوم فقط سأعيش، لن أترك الكبر وللشر والعنف تستوطنني وتستنزف مني يومي. لليوم فقط سأعيش، فلن أبيع نفسي مع الأوهام والانتقام والبغض والعنف والجفاء والجحود، لأنني منهمكة بما سأسديه وأقدمه ولو كان قليلا.
أثناء رحلتي هذه، قبلت أن ما سأقدمه من خير لن يخمد نار اشتياق أم فقدت ابنها الوحيد، وطفل ضاعت طفولته ليتخبط بين قضايا سياسية ليست من شأنه، قبلت أنني لن أستطيع مساعدة كل المظلومين والتائهين والمكروبيين والمعوزين والمنكوبين.
وأن كل ما بوسعي فعله: خط هذه الأسطر.
قبلت أن السعداء هم من جعلوا الخير يتربع على عرشهم، فتشاغلوا بالغير عطاء وخدمة ومواساة وبه وجدوا معنى للسعادة طعما ولونا وذوقا، ومهما تكاثرت غصون الشر والضلال الشائكة فلن تمكث حتى تتلاشي وتندرس.
”ذرة الشر تهيج، ولكن بذرة الخير، تثمر، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعا ولكن جذورها في التربة قريبة، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء”.
قبلت أخيرا، أنه مهما استنزفتنا المعارك والأحداث المتناسلة من أقطاب الجغرافيا، ومهما كبر خوفنا، وهواجسنا، وترقباتنا، وتحطمت آمالنا، وثقتنا، فحلم تغيير العالم سيتتحقق.
كاتب التدوينة: نعمة الشيكَر