الأمبولة الأخيرة

أمبولة واحدة فقط لاغير”.. هذا ما تلفظت بهِ الدكتورة وسام الرز وهي تخبرنا عن حال مركز العلاج الوحيد للسرطان والأورام في الغوطة الشرقية المحاصرة.. كانت تخرج الكلمات من الطبيبة وشفتاها ترتجفان تبتلع غصة البكاء وعيونها تلمع من الدموع المقيدة..

استوطن مرض السرطان في أجسام الكبار والصغار دون أن يسألهم ويعرف مدى معاناتهم مع الحياة المريرة.

اشتدّت وطأة الحصار على سكان المنطقة الجوعى، فلم يعد بالإمكان أن يؤمنوا حاجاتهم وطعامهم وأدويتهم، وحتى الهلال الأحمر هو عاجز على أن يقدم لهم أية مساعدة.

أمبولة الكيماوي الأخيرة في الغوطة الشرقية

نعم؛ إنها أمبولة الكيماوي الأخيرة في الغوطة الشرقية.. لقد نفذت جرعات الكيماوي في أجسام المرضى الذين أنهكهم مرض السرطان. لقد نفذت الجرعات ولم ينفذ السرطان من أجسادهم النحيلة المحاصرة.

إنها الأمبولة الأخيرة التي ستسري في أوردة مريض السرطان الذي يلتمس أملاً بجرعته، إنها الأمبولة الأخيرة التي ستقتل جزء من خلايا السرطان الخبيثة، نعم إنه السرطان اللعين الذي لا يموت بالأمبولة الأخيرة.

كنت أتساءل لمن ستكون تلك الأمبولة التي يتحدثون عنها، هل لذلك الشاب الذي نهشَ السرطان قدمهُ، أم لذلك الطفل الذي التهم السرطان دمهُ، أم لتلك الامرأة التي أنحلها سرطان الدماغ..

ربما إذا كانت الأمبولة الأخيرة لذلك الطفل ستمنح القوة وترسم على عينيه البراقتين أملاً جديداً وليستمد من الله حياة متواضعة كباقي أطفال الغوطة، وربما تكون الأمبولة الأخيرة لذلك الشاب الذي  ربما ستنقذهُ من بتر قدمه.. وربما وربما وربما..

إنهم 559 مصاب بالسرطان فكيف تكفيهم الأمبولة الأخيرة، أمبولة واحدة فقط لا غير للغوطة التي تنقسم إلى شقين.

إن معظم المرضى في المركز رفضوا أن يأخذوا الأمبولة الأخيرة بل كل شخص آثرها على الآخر، لم تقف الأمبولة حكراً عند أي أحد لا طفلٍ ولا شيخٍ ولا شاب، بل عُرضت على عدة مرضى وأخيراً وقفت عند أبو مرزوق الذي سيودع قدمهُ وربما سيودع أولاده وعائلتهُ خلال أيام، فلا دواء  والعالم أجمع يقف أبكم..

هل نستطيع أن نحاصر السرطان مثلما يحاصرنا الأسد، ينتقل قلمي إلى أم عمار وهي تقول: “عندما أحتاج لجرعة كيماوي أشعر بصعوبة بتلفظ كلمة كيماوي، إذ أن أثر تلك الكلمة أراها على قبرِ ابني  الذي استشهد خنقاً بغاز السارين”..

ومن جهتهِ، وضح مركز رحمة لعلاج الأورام الخبيثة ومرضى السرطان أنه المركز الوحيد المتخصص في الغوطة الشرقية، ولا يملك أكثر من 3% من جرعات الأدوية، ويعلن عجزه عن تطبيق جرعة متكاملة لأي مريض من الـ559 مريض المتواجدين في الغوطة المحاصرة، وتقول الطبيبة المختصة أن هناك 20 حالة وفاة نتيجة انعدام توفر الدواء اللازم خلال الثلاثة أشهر الماضية وهو مؤشر خطير جداً على اشتداد الحصار.

علماً أن المركز استطاع علاج الكثير من الحالات وكان هناك حالات شفاء تام من عدة أنواع من الأورام الخبيثة، منذ متى وأهل الغوطة محاصرون مكلومون صامدون، هناك الكثير والكثير من الأمور الأخيرة فهناك حبة قمح أخيرة، وهناك عبوة حليب أخيرة، وهناك أطفال وأمهات أخيرة،  وهنالك أرواح مظلومة أخيرة.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version
Hacklinkbetsat
betsat
betsat
holiganbet
holiganbet
holiganbet
Jojobet giriş
Jojobet giriş
Jojobet giriş
casibom giriş
casibom giriş
casibom giriş
xbet
xbet
xbet
grandpashabet
grandpashabet
grandpashabet
tuzla evden eve nakliyat
İzmir psikoloji
creative news
Digital marketing
radio kalasin
radinongkhai
gebze escort
grandpashabet
grandpashabet
betcio giriş
casibom giriş
casibom giril
jojobet
sultanbeyli çekici
marsbahis
beylikdüzü escort
setrabet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu siteleri
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu veren siteler
instagram followers buy
jojobet
casinolevant
betpublic giriş
casibom giriş
matadorbet
casibom giriş
casibom
casibom