بعد أن طرح علي أحد الأصدقاء موضوع مصادر الإرهاب في العالم تبادرت إلى ذهني مجموعة من الأفكار التي تدل على مصادر الإرهاب كداعش والنصرة والحركات الجهادية في إفريقيا وربما دولة إيران أو دول عربية، أو دول أخرى غربية كأمريكا مثلا لكن تبقى مجرد تخمينات تحتمل الخطأ والصواب
دعونا نعد إلى مفهوم الإرهاب لنفصل فيه وفي حيثيات هذا الاسم وأصله..
الإرهاب لغة: تعتبر كلمة (الإرهاب) مشتقة من الفعل المزيد (أرهب)، ويقال: (أرهب فلانًا) أي: خوَّفه وفزَّعه، وهو المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رهب)، أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رهب يرهب رهبةً ورهبًا) فيعني: خاف، فيقال:رهب الشيء رهبًا ورهبة أي: خافه، والرهبة: الخوف والفزع..
ومصطلح (الإرهاب) ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية terorisme التي استحدثت أثناء الثورة الفرنسية ويعتقد أن الترجمة الصحيحة للمصطلح الأجنبي هي كلمة (إرعاب، وإخافة شديدة)، وليس إرهابًا..
أما في الإصطلاح فقد حاول بعض المفكرين تعريف الإرهاب، والأعمال الإرهابية، كما حاولت بعض الاتفاقيات الدولية والإقليمية تعريف الإرهاب وما يتصل به من أعمال، ومن ضمن التعريفات:
ما ذكره البعض بأنه: القتل، والاغتيال، والتخريب، والتدمير، ونشر الشائعات، والتهديد، وصنوف الابتزاز، والاعتداء..، وأي نوع يهدف إلى خدمة أغراض سياسية واستراتيجية، أو أي أنشطة أخرى تهدف إلى إشاعة جو من عدم الاستقرار، والضغوط المتنوعة وهو كذلك استخدام أو تهديد باستخدام العنف ضد أفراد، ويعرض للخطر أرواحًا بشرية بريئة، أو تهديد الحريات الأساسية للأفراد لأغراض سياسية بهدف التأثير على موقف أو سلوك مجموعة مستهدفة بغض النظر عن الضحايا المباشرين.
هو عمل عنفوي يستهدف إرضاخ الجماعة لآرائه وفرض معادلة مغايرة بمنطق القوة، من خلال تجذير الخوف وزرع القلق في محيطهِ. ويكون الإرهاب وسيلة يستخدمها الأفراد والجماعات ضد الحكومات، ويمكن أن تستخدمها وترعاها حكومات ضد مجموعات معينة.
الإرهاب أصبح الآن الشبح الذي يهدد أمن واستقرار العالم ويهدد الدول العربية والفقيرة، لكن هل تساءلنا يوما عن مصادره أو عن الأشباح التي تستفيد من الإرهاب أو بالأحرى من يصدر الإرهاب للدول العربية كسوريا والعراق؟!..
الدول الأجنبية التي تنتج مقاتلين إرهابيين للعمل في سوريا والعراق، تقف فرنسا في المقام الأول ويأتي منها 700، ثم ألمانيا 270، وبريطانيا 400، بلجيكا 250. أما أعداد المقاتلين من مخلتف البلدان الأجنبية منسوبة إلى عدد السكان فتقف بلجيكا في المقدمة وتحتل المركز الأول بـ22 مقاتلا لكل مليون نسمة من السكان، تتلـوها الدنمارك، فرنسا، النرويج، هولندا، النمسا، إيرلندا، بريطانيا، السويد، ألمانيا. وفي آخر القائمة الأميركيون الذي يقدر عددهم بحوالي 70 مقاتلا.
بطبيعة لحال فإن معظم المقاتلين القادمين من بلدان أجنبية ويحملون جنسياتها هم في الواقع من أصل عربي، وهناك أقلية من الأجانب الذين أسلموا ولم يحسن إسلامهم.
السؤال المحير: لماذا يتحول إنسان إلى إرهابي مع أنه ولد وعاش وتربى ودرس في مجتمعات ديمقراطية حرة، ومارس الحياة الديمقراطية، وعاش في ثقافة قبول الآخر، ويتحول إلى شخص متعصب يقسم الناس حسب أديانهم ومذاهبهم، ويتهمهم بالكفر، ويرتكب أبشع الجرائم وهو يعتقد أنه ينصر الإسلام مع أنه يقدمه إلى العالم بصورة بشعة لدرجة أن العربي ينظر إليه كإرهابي، فإن أطلق لحيته فكأنه يعلن عن نفسه كإرهابي.
لمذا اتجه بعض العرب والمسلمين إلى الإرهاب؟ ترى ما هي أسبابه؟
قبل الحديث عن أسباب الإرهاب في المجتمعات الإسلامية أرى لزامًا التنبيه إلى عدد من المسائل.
الأولى: أن أسباب الإرهاب تختلف في درجة أهميتها، وفي مدى تأثيرها باختلاف المجتمعات الإسلامية، تبعًا
لاختلافها في اتجاهاتها السياسية، وظروفها الاقتصادية والاجتماعية، وأحوال شعوبها الدينية، ولذا فإن ما يصدق على مجتمعقد لا يصدق بالضرورة على غيره.
الثانية: أن الحكومات في العالم الإسلامي تختلف اختلافًا كبيرًا في مواقفها من الدين والتدين في المجتمعات التيتتولى شئونها، كما تتفاوت تفاوتًا ظاهرًا في مدى رعايتها لمصالح الناس الدنيوية، وتيسير أسباب الحياة الكريمة لهم،ففي حين نجد من الحكومات من تعظم شأن الدين وتجعله أساس أنظمتها، والمهيمن على شئون الحياة فيهاكالمملكة العربية السعودية، فإننا في المقابل نجد من الحكومات من ليست مواقفها من الدين أو ممن يدعو إلى الأخذبه منهجًا للحياة إيجابية أو مرضية.
وهذه المواقف لها أثرها في المجتمعات، من حيث استقرارها، وتوجهات أفرادها، وطبيعة الصلات والعلاقات فيها، ولاسيما بين الناس وولاة أمورهم. وأن استيعاب الأسباب المؤدية إلى الغلو والإرهاب أمر بعيد المنال، لأن طرق الغي والضلال غير منحصرة، ولكن حسبي في هذا البحث أن أبرز -ما أراه- أهم الأسباب وأكثرها أثرًا في بروز هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمعات الإسلامية.
إن من أبرز مسببات الإرهاب؛ الانحراف الفكري والقصور في العلم الشرعي الخلل في منهج التلقي؛ حيث تتلمذ طائفة من الغلاة على من لا علم عنده، أو على أنفسهم، فلا يقتدون ولا يهتدون بما عليه العلماء الراسخون، بل يقدحون فيهم، ويلمزونهم. وهؤلاء الغلاة يعتدون بآرائهم، وينساقون مع أهوائهم، فيحرمون العلم النافع المتلقى من مشكاة النبوة وأنوار الرسالة، ويقعون في ضروب من الضلال، والقول على الله بغير علم، فيَضلون ويُضِلون.
الأخذ بظواهر النصوص دون فقه ولا اعتبار لدلالة المفهوم، ولا قواعد الاستدلال، ولا الجمع بين الأدلة، ولا اعتبار لفهم العلماء، ولا نظر في أعذار الناس.
وهذا المنهج سبب لصنوف من الانحراف والضلال، وأشد ذلك وأعظمه خطرًا التكفير، والحكم بذلك على الأشخاص والجماعات والأنظمة دون فقه أو تثبت، أو اعتبار للضوابط الشرعية، وهو ما وقع فيه بعض الأفراد والجماعات في هذا العصر، حيث توجهوا إلى تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله، ولا سنة رسوله ورتبوا على ذلك استباحة الدماء والأموال، والاعتداء على حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، والاعتداء على مصالحهم العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، فحصل بذلك فساد كبير في المجتمعات الإسلامية.
إننا بحاجة لصحوة يصحو فيها كل مسلم لمحاربة التطرف، آم الفتن التي دنست كل دول العالم الإسلامي فيجب على كل مسلم تجديد أفكاره وأن يتسم بالمناعة الفكرية التي تحصن المسلم من تسلل الأفكار المتطرفة إلى عقله التي تجعله مشروع إرهابي ويصبح من ضباع العالم..
مقالة تكاد أن تكون بدون محتوى و صراحة يمكن تلخيصها كلها في بضعة كلمات: الارهاب ينشأ عن عدم الفهم “الصحيح” للدين.
شكرا تحياتي