الإمَّعة

ضعف شخصية وانبهار بالغير

تجدني أتعجب في استغراب من هذا النوع من البشر وخاصة الشباب العربي، ممن لا شغل لهم ولا هَمَّ يجمعهم ولا مبدأ يُلم شتاتهم، يسيح مع القطيع ويهرع معه حيثما ولّى وجهه، يرى في نفسه خنوعا وخزيا وخجلا من أصله العربي أو المسلم على جهة التحديد، وإن كان لا يتجرأ أن ينطق بها فلسان حاله صارخ بمكنون وجدانه، طاقات شابة هائلة تضيع هنا وهناك وكأننا في غنىً عنها، لا يا هذا فأمتك في أمس الحاجة إليك، لا تكن إمَّعة تلهف خلف كل ناعق وصاهل، أين أنت أين شغفك أين كرامتك أين حقك أين ذاتك؟…

وما هذا إلا من الانبهار بالغير وعدم الرضى بأناه ولا بمستواه المعيش ولا بمجتمعه ولا حتى بأسرته وأبويه في بعض الأحيان، الانبهار الذي يعبر عن ضعف شخصيتك، وكلما ضعفت نفسك زاد انبهارك بالغير ممن يعلوك مستوى وخاصة بالنمط الغربي، صراع نفسي مقيت بين عدم الرضى والطموح نحو المجهول.

لا يا أخي فالعاقل لا يبني قصرا على الرمال، ولا يطير قبل أن يُرَيِّش، ولا يقدم رجله اليمنى حتى يعرف موضع اليسرى.

لا تكن كحاطب ليل يجمع كل ما هب ودب، بل كُن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القول المنسوب إليه يوم كنا رجالا: يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول لا بملِئ فيه.

فمن أكثر ما يعاب على الواحد منا أن يكون إمَّعة لا رأي له ولا مبدأ، يؤمن إذا آمن الناس ويكفر إذا كفروا، فكم من رجل تغتر بجسمه وماله، وما هو في الحقيقة إلا عالة على غيره متملق أعمى.

وكم شخصا تأخذك عَبرته ومنطقه، وما هو إلا مقلدُ من يعلوه مغلوب على أمره لا حول له ولا قوة، كما قال ابن خلدون رحمه الله: المغلوب مولوع دائما بالاتباع الغالب.

وكأين من شريف أو تحسبه كذلك وقد باع شرفه وكرامته بعَرض من الدنيا قليل، فلا ينبغي للعاقل منا أن ينتظر تلميعا أو إطراء من أحد، فكل شخص خبيرُ نفسِه، إذا كانت لك ثوابت ومبادئ راسخة فلا يرفعك مدح ولا يضع من قدرك ذم، فكذا من مادح أو ذام لا يستحق بثرثرته إلا أن يشغر فاه التراب، كما في حديث المقداد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب”.

فعليك يا صاح أن تكون جلدا لا تتزعزع صلبا كالصرح مِقداما كالأسد، لا تخدعك ثقة ولا عدمها من أحد، ولا تنتظر أن يملي عليك مخلوق من تعاشر ومن تعادي، اللهم ما كان على سبيل النصح والإرشاد، فلا خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق.

فهذه دعوة للشباب المسلم أن يراجع ذاته ويعرف نفسه ويحدد هدفه من الوجود، لعلنا نفيق من هذا السبات ونمسح القذى عن أعين طال رقادها، لنقف من جديد وتكون لنا كلمة مسموعة في الأمم، لنعيد لهذه الأمة مجدها ومكانتها ونرفع رايتها حتى لا نكون عالة عليها وعلى أحفادنا، ولن نكون كذلك إلا بعد أن نعرف من نكون.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version