من حين لآخر، يقفز ذلك السؤال الضخم المُحيّر ليغزو رأسي وكل تفكيري.. أحاول الفرار منه، وأعلم أنّه سيورطني بالكثير، ولكني لا أفلح بطرده خارجاً، إلا أنني أصرخ:
لماذا لا يتعلّم الإنسان العربي من أخطائه؟
ما هي الحلقة المفقودة ما بين الإنسان العربي وكلّ البشرية؟
لِمَ تستحضر كلّ أمم الأرض ماضيها لتُحاكمه وتنقده وتستخلص منه العِبَر؟ في حين أن الإنسان العربي يخشى الاقتراب من تاريخه، ويحارب كلّ من يبحث به أو ينتقده أو ينظر إليه برؤية تُخالف رؤيته؟
لمَ يُقدّس الإنسان العربي كلّ ما يتعلّق بتاريخه ويجعله تابو يُضيفه إلى عشرات التابوهات التي يُقدّسها ويجعل الاقتراب منها جريمة لا عقاب عليها إلا الإلغاء والقتل؟
كان من الممكن لبعض حكماء العرب أن يستحضروا ذلك التاريخ ويضعوا القدسية جانباً ويُناقشوا ما مضى على قاعدة كلنا من آدم وكلّ بني آدم خطاء، ولكن ماذا جرى؟ هل افتقدت كلّ عصورنا لحكماء؟ أم أنّ الماضي استعصى على الجميع وبتنا رهائن لديه ولدى أشخاصه الذين لطالما ازدادوا انتفاخاً وتقديساً وانسلاخاً عن البشريّة؟
أذكر حديثاً لحكيم العرب وطبيبهم الأكبر محمد بن عبد الله، ذاك الذي أتى ليُصلح خلل هذه الأمّة والأمم الأخرى، والذي حمل أقدس رسالة وُجّهت للبشرية حين قال (بُعثُ لأتمم مكارم الأخلاق).
قال حينها الصادق الأمين: “السعيد من اتعظ بغيره”، فأين مِنّا السعادة ومن مننا السعيد؟
لمَ نُفاخر باللعب على التناقضات؟ ونعتبر القانون شيئاً يُلزم غيرنا، ولا يحقّ له أن يسلبنا أيّ امتياز كنا قد حصلنا أو تعوّدنا الحصول عليه؟
هل مشكلتنا تتلخص بنظرتنا للقانون؟ أم أن المشكلة بنظرتنا لكلّ شيء؟ هل ننظر للدين النظرة التي أرادها الله لنا؟ هل حقاً أرسل الله الدين لأنّه بحاجة لمن يقوم بعبادته؟ هل حقاً الدين بحاجة لنا؟ أم نحن من هم بحاجة الدين؟ هل خُلقت البشرية لتخدم الدين حقاً؟ أم أن الدين وُجد ليخدم البشرية وينظّم لها حركتها وحركاتها؟
وماذا عن نظرتنا للأخلاق؟ هل حقاً الأخلاق هي مُعتقدات قبائلنا وأعرافنا وتقاليدنا؟ أحقاً لا تملك الأخلاق عندنا تلك الميزة العالمية أو الإنسانية الشاملة؟
هل الأخلاق (كلّ الأخلاق) فعلاً هي ما تحويه نصوصنا التي نعتبرها مُقدّسة رُغماً عن أنف الجميع؟ هل نسمح لأخلاقٍ أخرى أو قواعد أخرى اقتضتها الحاجة ولم ينص عليها (أجدادنا) بالدخول لحرم معتقدنا الأخلاقي؟ أم كعادتنا نُعارض ونقول هذا ما لم يقله أحد من قبل؟
هل حقاً قال الأولون كل الكلام وانتهى الأمر، وتركوا لنا حفظ ما قالوه وتناقلَه؟ إن كان ذلك، فلم تقدّم غيرنا وتأخّرنا؟ لمَ ابتُلينا بالانتكاسة تلو الانتكاسة حتى تبلّدت أحاسيسنا وبتنا نعتاد كلّ شيء حتى الإهانة والجوع؟
لمَ أصبح النقل عندنا أساس والعقل استثناء يجب التخلص منه؟ لمَ كان الجديد دوماً بُدعة مُحارَبة والقديم مقدّس مبارك حتى لو أثبت خطأه؟
كيف انقلبت بنا الآية وبتنا نستمتع بمشاهدة الجميع يهرعون للأمام، ونحن نفخر بسخريتنا من عزمهم المضيّ قدماً وكلّ ما نفعله هو تجميل بضع أحلام اليقظة واسترجاعها كلّ حين؟