بدأ الإحمرار يغزو وجه كاترينا وهي تباشر بقراءة المقطع الذي يصف لقاء أحد أبطال كتابها الخامس مع أسرته بعد طول غياب.
حشرج صوت الصحفية النرويجية وهي تنقل لنا كيف التقى ذاك اللاجئ السوري مع أسرته التي كاد أن يفقد الأمل برؤيتها مجدّداً.
ارتبكت أمام الجمهور المستمع، وحاولت أن تلتقط أنفاسها برشفة ماء، عسى برودة الماء تطفئ ذلك الغليان الذي بدأ يهدد بذرفها الدموع.
كاترينا سالا، صحفية نرويجية سبق وأن تخرّجت من جامعة أوسلو اختصاص أدب وصحافة، كما أنّها حاصلة على الإجازة من جامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعتبر نشأة كاترينا مميزة، فقد سبق لها أن تنقلت ما بين العديد من الأمكنة والبلدان، مما جعل تعلقها الأكثر بالإنسان، بوصفه كائن لا يمكن الوثوق بغيره مع تغير الأزمنة والأمكنة.
رأت كاترينا خلال نشأتها في كل من الدنمارك واسكتلندا وزمبابوي وسنغافورة، إضافة لإقامتها في العاصمة النرويجية أوسلو، رأت العديد من النماذج البشرية وسرعان ما ربطت فيما بينها من خلال دراستها للصحافة، وبدأت تتعمّق في التجارب الحياتية لمن قابلته، وانغرست جداً في بعض التجارب الأمر الذي أثّر سلباً على حياتها كما صرّحت لي بشكل شخصيّ.
تدور قصص كتب كاترينا الخمس عن أناس مختلفين وعن تجاربهم الحياتية، فقد تناول كتابها الأول (القمر صغير كقط) لقاءات وحوارات مع العديد من الأطفال، التي ترى أنهم يملكون لغتهم الخاصة وتعابيرهم الأكثر مصداقية وشفافية، بحيث يتكلمون بلغة تحمل صبغة عاطفية أكثر من غيرهم.
كتاب كاترينا الثاني كان عبارة عن وئائقي عن الفنان النرويجي اودفار تورسهايم، والذي تقول أنه عانى كثيراً من الصعوبات في حياته والتي لا يجد حرجاً في الحديث عنها.
الكتاب الثالث لكاترينا كان عن ثقافات ومميزات المنطقة الغربية من النرويج.
أما كتابها الرابع فقد كان سيرة حياتية للفنان والموسيقي النرويجي كنث سيفارتسن.
أما كتابها الخامس، فقد كان بعنوان (فندق يولستر) وهو عن أحد مخيمات استقبال اللاجئين على الأراضي النرويجية.
عايشت كاترينا العديد من المآسي في ذلك المخيم، أمّا عن طريقة تسللها لحياة أولئك المنغلقين على أنفسهم بالفطرة، وبدافع الخوف من الآخر والخشية من المجهول، فتروي لنا كاترينا تجربتها الخاصة:
“كان من الصعب أن يتم الوثوق بي، فالبعض ينظر للصحفي وكأنه عميل بوليسي، أو جاسوس من نوع ما، أو حتى، موظف عند دائرة الهجرة، أو أحد مسؤولي المخيم.
تطوّعتُ لأن أكون عاملة استقبال في المخيم، وبدأت أتواصل يومياً مع المهاجرين طالبي اللجوء، وبابتسامة ولطافة ينتظرها الكثيرون، بدأتُ أتعرف على بعض العادات التي كان يتم تفسيرها سابقاً على نحو خاطئ من موظفي المخيم.
شيئاً فشيئاً، بدأتُ اُعايش بعض القصص، وشيئاً فشيئاً بدأت أصبح ضيفة على البعض، وبدأتُ أغرس نفسي في تفاصيل حيواتهم.
لا أنكر صعوبة الأمر، ولا أنكر تأثيره السلبي على نفسيتي، وعلى نظرتي للحياة بشكل عام، إلا أنني استطعت أن أخرج بقصص، أفخر بروايتها الآن لأشرح الكثير من المشاكل التي يعايشها القادمون إلى الأراضي الآمنة ممن أرعبهم الخوف والحرب والفاقة والعوز.”
ترى كاترينا أن على الدولة النرويجية وباقي دول الشمال الأوربي تحسين مستوى مخيمات استقبال القادمين من خلف البحار، والتعامل معهم بشكل تعاطفي أكثر، ومحاولة بذل المجهود الأكبر لاحتوائهم والتفاهم معهم.
تعتبر كاترينا إحدى الوجوه المفرحة التي من الممكن أن تقابلها في بلاد المهجر، فهي آلت على نفسها التنقل لشرح معاناة القادمين وضرورة التعامل معهم عن قرب.
تذرف كاترينا الدموع كلما تتذكر تفصيلاً معيناً لإحدى القصص التي عايشتها، وتخالط بسمتها دموعها وإحمرار وجنتها، ليكشف أن الإنسانية رابطٌ مقدسٌ يجمعنا كلنا سواء أردنا أم رفضنا، وسواء علمنا بذلك أو جهلنا.
رسالة كاترينا الأخيرة كانت:
“عليكم أن تحبوا الإنسان لكونه إنساناً أولاً وأخيراً، افتخروا بتجاربكم وارووها لنتعلم منكم، احتووا الجميع بابتسامتكم، فهي مفتاح الولوج لعتمة الخوف.” كاترينا سالا