الارتجال التعليمي وليونة التعامل

الارتجال في التعليم

كان يدرسنا بإحدى السنوات الماضية، أستاذ يختلف عن باقي الأساتذة من حيث طريقة التدريس، التي ميزته عن معظم أقرانه آنذاك، هذه الطريقة تمثلت في ربط الدرس بالواقع، الواقع الخارجي الذي نحن بضمنه، في كل تفسيراته وتوضيحاته.

وهذا ما لم نره أبدا رفقة المدرسين السابقين، الذين درسونا عندهم بالفصول الدراسية التي قد خلت من قبل.

حيث أن هؤلاء كانوا مرتبطين بشكل كبير بالمذكرة والمنهجية المنصوص عليها من طرف وزارة التربية والتعليم، دون إضافة أي حرف واحد أو إنقاصه من الرزنامة، ودون الارتجال الذي يعطي نكهة خاصة في مجال التعليم، والذي يبين على كفاءة الأداء الوظيفي، وكأنهم يقومون بعملية النسخ واللصق لا التدريس.

وذلك لكي تصير هذه الدروس كتمائم وألغازا يصعب تفكيكها أو فهمها، لتساهم في الأخير وبشكل غير مباشر في الركود الفكري والانحطاط المعرفي لدى التلميذ.

وكما أنهم امتازوا بالصرامة التي غزت طريقتهم في التدريس، حيث كانت هاته الأخيرة تصعب علينا شيئا ما في فهم كل ما هو آت منهم.

فالأسلوب المعتمد من قبلهم، كان يساهم في نفور المتلقين من الدروس، أو من المادة بشكل عام، وجعلها كوسيلة من أجل كسب النقاط فقط، لا من أجل فهمها وتبنيها بالمستقبل، عكس هذا الأستاذ الذي ميزته الطريقة التي كان يستعملها في مساره الدراسي.

تجلت طريقة تدرسيه في شرحه للدرس بمعيار واقعي بسيط، كما ذكرنا سابقا، كيف؟

كان دائما عندما يريد شرح درس ما لنا، يتجه مباشرة نحو المجتمع المدني، وكمثال بسيط من أجل التوضيح كأن يشرح درس “الحركة لدى أرسطو” بالممارسة الجنسية عند الإنسان.

وأما من الناحية التعاملية التي تعد هي كذلك جزءاً من هذه الطريقة، فإن هذا الأستاذ كان دائم العزوف عن العبس، والابتعاد المستمر عن الصرامة التي لم تظهر عليه قط أثناء تدريسه لنا، ومحو كل من مصطلحي الجزم والحزم اللذان لم يعرفا طريقا نحوه..

وذلك كان يتم بالابتسامة التي كانت دوما على محياه، أمام تلاميذه ذكورا وإناثا، وذلك بداية من شرفة باب الفصل الدراسي، ونهاية بانقضاء الحصة التي كان يعلنها جرس المدرسة.

ربما قد يرى البعض أن هذه الطريقة التي ميزته عن باقي المدرسين تبدو شيئا بديهيا، ولكن الحقيقة تقول العكس، فعن طريق هذا الأسلوب الذكي كانت الدروس تفهم بشكل سهل وسلس، وكأننا نعزف على الآلات الموسيقية، أو كأننا نلعب لعبة مسلية ومرحة.

لم ينتابنا معه قط وسط الحصة الشعور بالملل وعدم الإدراك، بل كنا دائمين الحماس والرغبة في الحضور لحصصه.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version