الثقافة عند إدوارد بيرنت تايلور
تبدأ المشكلة الثقافية مِن شريدر الذي ألحّ على الإشارة لنظرية السببية الثقافية في كافة تدخلاته، حيث أجزم بأنّ الأسباب المباشرة لنشأة أيّة ثقافة مهما كانَ مرجعها هي أسباب تترنّح ما بين الأسباب البيولوجية وأخرى التي غالبا ما يُطلق عليها بالأسباب الاجتماعية، وقد أثبت التاريخ بأنّ هذه النقطة تحديدا كانت مقبولة ولا تزال إلى حدٍّ بعيد.
بُنيت هذه النظرية حسب إدوارد بيرنت تايلور على الكثير من الركائز المتنوعة، لعلّ أبرزها سبع أساسيات لابد من الإشارة إليها، لأنّها لا تتنازل عن أدوارها في كافة الثقافات، وقد تمتد على فترات لتطال الأصول البعيدة لما يسميه علم النفس بالسلوك، وتنخرط فيه البيولوجيا بالوراثة، بينما تغطي الفلسفة هذا كلّه بغطاء قوانين الفكر الضرورية.
المعرفة
وهي تمثّل بشكل لا ردّ لمصداقيته الطبيعة في وحدتها العضوية والموضوعية مع مكوّنات التصرفات البشرية ومدى تأثير كلّ طرف على الآخر، بحيث يقوم الفرد الإنساني وفق البيئة التي يترعرع فيها بتكوين استجابات على حسب المصادر التي تدفعه إليها، وهنا تبقى كافة هذه الردود عبارة عن نتائج لما تعوّد عليه الفرد وفق عملية تأقلمه مع الوسط الذي اكتشفه للمرة الأولى في حياته.
العقيدة
وهي بالضرورة جزء من المحرّكات التي لا مناص من صرفها عن أيّ تفسير أو شرح لما يقوم به الإنسان، كما يرى فيثاغورس (569-500 ق م)، أي أنّ الطبيعة في وفاق تام مع الإنسان، وهذا ما يسمح للذهن البشري بالتعبير عن الظواهر الطبيعية بواسطة الإسقاط الفكري على ما يحدث أمامه، خاصة إن ما تعلّق الأمر بشبيهات الأمثلة على اختلاف الأطر، الزمان والمكان وحتى مدى اتصال السبب بالنتيجة، أثناء اصطناع الوقائع أو مصادفتها ضمن مسارات محدودة.
- ابن المقفع .. «المثقف العلماني» الذي اغتال العباسيون عبقريته
- هل التفاوت الاقتصادي مشكلة حقا؟
- سيد قطب وقراءة في كتابه “معالم في الطريق”.. الطريق إلى حبل المشنقة
- حِبَالُ العادات الإنسانية.. قراءة في كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية
- الزهايمر بداية الموت الصامت
- النفاق المقدَّس – احتراما لـ ستيفن كوفي
الفن
وهو شرح مفصّل للصورة الكليّة التي ترسمها الظواهر البيولوجية أو نظيراتها الاجتماعية في مجال فهم الروح الإنساني واستيعابه لما يدور حوله، محاولا تذوّق هذه الوحدة المزعومة كما جاء عند أرسطو عندما أعاد رسم فصل الميتافيزيقا عن الفيزياء بواسطة المأساة الرديئة محاولا بذلك رصد التغيّرات الهائلة التي تؤدي إلى ابتكار حوافز تشكّل الظاهرة مهما كانت هُويتها.
الأخلاق
وهي حسب غوتفريد لايبنتس (1646-1716م) عبارة عن قوانين لا تحمل صيغ الثواب عند اندماجها مع التجليات الذهنية العادية للإنسان، وبذلك يجد الفرد نفسه ملتزمة أو ملزمة بمصادرة الوثبات الطبيعية للنفس البشرية كما تصادر قوانين الفيزياء تلك الطفرات العشوائية في الجينوم البشري.
القانون
وهنا المقصود هو قانون الفكر بالقوّة لا بالطبيعة، حيث يقوم على الأساسات الثلاث والتي هي حسب التصنيف التقليدي لأثينا: قانون عدم التناقض، قانون الثالث المرفوع وقانون تحديد الهوية، وهي بشكل لا مجال لإقصائه تمثّل الضبط المتعارف عليه، والذي بواسطته يحصل العقل البشري على مشروعية التمييز بين الصواب والخطأ بعيدا عن ما هو مقبول وما هو غير مقبول أيضا.
العُرف
وهو اعتراف بالخرافة والملكية الأنانية التي تلبس الجانب المظلم من الإنسان حيث يقول الإيطاليون “العالَم كلّه قُطر واحِد” كناية على مدى حدود بسط القدرات الإنسانية ومجالات تصرّفها التي لا تعترف سوى بـ: لا-نهائية الوجود بحد ذاته، باختصار وبالنسبة للكيان الإنساني: العالَم ليس كافيا أبدا.
المكتسبات
وهو عنوان لمدى تطابق الطبيعة البشرية مع ظروف الحياة، حيث يقضي الإنسان حياته عبر مروره بأزمات ولحظات متنوّعة في صراع أو وفاق مع ما حوله، دون أن يدرك التأثير الحقيقي الذي تصنعه الرواسب التاريخية والثقافية على سلوكه، بعيدا عن ما يسعى هو إليه ويرغب فيه.
هذه هي النقاط السبع حسب إدوارد بيرنت تايلور، وهي المفاتيح التي لا بد منها لفهم الحركة الاجتماعية لأيّة ثقافة (Kultur)، تلك المساحة التي تحمل كافة أحلامنا وهمومنا بشكل لا سبيل لوصفه، بينما هناك الكثير من المعطيات التي تجعل التحكم فيه أمرا قابلا للتحقيق.