إنها البهجة بكل ما فيها، والمحروسة من كل شر، والبيضاء كقلوب أهلها، التي تُدهشك كلما غصت في تفاصيلها، أو أمعنت النظر في تاريخها، فهي لوحة نسجت بخيوط من الماضي والحاضر، وهي التي جمعت جمال العمران والتنظيم وعراقة القباب والمآذن مع روعة الموروث الحضاري، وبهاء الحدائق الغناء، والشواطئ الدافئة في قالب واحد اسمه الجزائر العاصمة.
مدينة الجزائر عروس البحر الأبيض المتوسط التي تفترش شمال وسط البلاد وتطل على الجانب الغربي لخليج البحر الأبيض المتوسط، عاصمة الجمهورية الجزائرية ومركزها الاقتصادي والتجاري والحضاري.
تعود تسمية المدينة بالجزائر نسبة إلى مجموعة الجزر التي كانت متواجدةً على مقربة من ساحل المدينة، فجمع جزيرة هو جزائر كما جاء في لسان العرب، تُنطق الجزائر باللهجة المحلية دْزَايَرْ، وهي الكلمة المُشتقّة من الكلمة البربرية تيزيري التي تعني ضوء القمر.
أسس الفينيقيون مدينة الجزائر في عام 1200 قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم إيكوسيم وكانت موقعا تجاريا صغيرا، وفي عام 202 قبل الميلاد سقطت المدينة بيد الرومان الذين أسسوا المدينة. أدخلت الفتوحات الإسلامية الإسلام إلى شمال أفريقيا عام 710 ميلادي، وأعاد بولوغين بن زيري بناء إكوسيوم في منتصف القرن العاشر وقام بتوسيع المدينة وتحصينها وسماها جزاير بني مزغنة. وفي عام 1511 بدأ الحكم العثماني للمدينة الذي استمر قرابة ثلاثة قرون حتى سقطت المدينة بيد المستعمر الفرنسي عام 1830، نالت الجزائر استقلالها عام 1962، وأصبحت مدينة الجزائر عاصمة للجمهورية الجزائرية.
تتميز مدينة الجزائر بجزيئها الإسلامي القديم والأوربي الحديث، ويُعرف القديم باسم القصبة المرتكزة في أعلى التلال المطلة على البحر، وتُعد تحفة معمارية وتاريخية بما تتميز به من مباني تاريخية وقصور فاخرة ومساجد تاريخية عديدة تعود إلى الفترة العثمانية وما قبلها، كما تعرف بشوارعها الضيقة وتتركب معظم شوارعها من الأدراج، صنفت منظمة اليونيسكو القصبة ضمن التراث العالمي وذلك عام 1992.
أما جزء العاصمة الحديث فهو الجزء الأكثر فخامة في الجزائر العاصمة، ويمثل القلب النابض للبلاد من خلال النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتلتقي فيه مختلف ألوان العمارة الحديثة التي يغلب عليها الطابع الأوروبي في تناسق بديع بعماراته الشاهقة التي تتخللها الشوارع الواسعة والحدائق الغناء والتي تتكامل مع العمران الحديث للعاصمة بعد الاستقلال.
تتمتع العاصمة الجزائر بشبكة طرقات متطورة ومنظمة للغاية، فهناك شبكتي مترو الجزائر وتراموي الجزائر التي تتوسعان باستمرار ويزداد عدد محطاتهما عاما بعد عام، كما توجد حافلات للنقل العمومي تخدم مدينة الجزائر وضواحيها.
وترتبط العاصمة الجزائر بولايات الوطن بشبكة سكك حديدية تمنح المسافرين حركية وديناميكية عالية، الأمر الذي يسهل تنقل سكانها وضيوفها ويمنحهم الراحة والأمان.
كما تتميز العاصمة بوجود العديد من محطات التلفريك نظرًا لبنيتها الجغرافية، هذه المحطات التي يفضلها سكان وضيوف العاصمة اختصارا للوقت وتمتعا بالمناظر الطبيعية ووسيلة نقل عصرية يستخدمها السياح وضيوف المدينة للتنقل إلى العديد من أبرز معالم المدينة كمقام الشهيد وكاتدرائية السيدة الأفريقية.
كانت مدينة الجزائر على مرّ التاريخ موقع انصهار للثقافات والأعراق فتجد فيها المساجد والكنائس والمعابد والقصور والقلاع التاريخية والمعالم التاريخية الجذابة التي يعود بناؤها إلى قرون مضت.
فمن المساجد نذكر مسجد كتشاوة والجامع الكبير ومسجد السفير، ومن الكنائس نذكر كاتدرائية السيدة الأفريقية الكاثوليكية الرومانية، ومن المتاحف نذكر متحف باردو والمتحف الوطني للفنون الجميلة ومتحف الجيش، المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر.
ومن القصور التاريخية نجد قصور القصبة وقصر الرياس.
والعديد من المعالم والتحف المعمارية التاريخية التي تزين العاصمة وتجعل منها عاصمة التاريخ والحضارة، ومقصد عشاق الاستكشاف والتاريخ.
وتتميز العاصمة بجمال وتنوع طبيعتها ومساحاتها الخضراء، وكثرة الحدائق الغناء والغابات التي يلجأ إليها السكان من أجل الراحة في العاصمة المكتظة بسكانها وزوارها، ومن أبرز هذه الحدائق حديقة التجارب التي تصنف ضمن أجمل خمس حدائق في العالم ومن بين أهم ثلاث حدائق تاريخية في العالم.
تُعد العاصمة الجزائر من أجمل المدن الساحلية التي قد تزورها، حيث تتقاطع زرقة شواطئها مع بياض مبانيها في مشهد لا تراه إلا في الباهية كما يحلو لسكانها تسمية عاصمتهم، حيث تمتد على طول شواطئها الساحرة العديد من المنتجعات السياحية التي تكتسي الطابع العالمي، وأهمها شاطئ سيدي فرج وشاطئ خلوفي بزرالدة، ونادي الصنوبر ومنتجع الصابلات.
ويوجد العديد من المشاريع الضخمة قيد الانجاز شارفت على الانتهاء، ينتظرها الجزائريون بفارغ الصبر، كمشروع تهيئة وادي الحراش، ومشروع جامع الجزائر الكبير الذي سيكون ثالث أكبر المساجد في العالم وسيضم أطول مئذنة مسجد في العالم.
ووضعت الحكومة الجزائرية مخططا ومشروعا استراتيجيا “الجزائر آفـــاق 2030”، بميزانية مالية ضخمة من خلال العديد من المشاريع الاقتصادية والسياحية والعمرانية الضخمة التي تستهدف تأهيل مدينة الجزائر وتحويلها إلى جوهرة المتوسط وعاصمة بمعايير عالمية.
يطول الحديث عن العاصمة الجزائر التي احتضنت الحضارات والأمم على مر العصور، لذلك كان هذا المقال مجرد بداية لسلسة من المقالات نستكشف من خلالها جمال الجزائر العاصمة.