الجزائر تعتمد التقويم الأمازيغي تقويما رسميا في البلاد.. ما حقيقة رأس السنة الأمازيغية؟ ومن هو شيشنق؟

الجزائر (MTAPOST) – اعتمدت الجزائر الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، رأس السنة الأمازيغية عطلةً رسميةً مدفوعة الأجر على غرار عُطل السنتين الميلادية والهجرية وباقي المناسبات الأخرى.

وأصبح التقويم الأمازيغي الآن في سنته 2967، ويحيل بعض النشطاء والمثقفين الأمازيغ بداية التقويم الأمازيعي إلى حدث تاريخي، وهو احتلال ملك يُدعى شيشنق لمصر بعد انتصاره على رمسيس الثالث.

ويحتل شيشنق مكانة هامة تاريخياً، فقد ذُكر اسمه في العهد القديم؛ نظراً إلى غزوه مدينة أورشليم، بجانب سيطرته على مناطق واسعة مثل مصر والسودان وفلسطين وأرض الشام وليبيا.

لكن، من هو شيشنق؟ وما هو أصله؟ وكيف استطاع السيطرة على مصر؟ وهل بالفعل عاصر عهد رمسيس الثالث؟ إجابات هذه الأسئلة اختلف حولها الأمازيغ (سكان أصليين في منطقة المغرب الكبير) والمصريون؛ ولذلك نستعرض فيما يلي الروايات التاريخية لهذا الحدث مع ذكر أدلتها.

شيشنق على هيئة أبي الهول

الروايات الأمازيغية

يقول الأمازيغ إن بداية السنة الأمازيغية تعود لسنة 950 قبل الميلاد، عندما سيطر الملك شيشنق على مصر وأسَّس الأسرة الـ22.

وتبدأ أحداث بداية السنة الأمازيغية، بحسب هذه الرواية، عندما حاول الملك رمسيس الثالث السيطرة على منطقة المغرب العربي، فأرسل جيشه إلى الرمشي، قرب مدينة تلمسان غرب الجزائر حالياً، حيث مُني بهزيمة من قِبل جيش الأمازيغ بقيادة شيشنق، الذي عاد إلى مصر واستولى على السلطة فيها وأصبح ملكاً لمصر ومن بعده أولاده.

بينما تقول رواية أخرى، على لسان المؤرخ المغربي الأمازيغي محمد شفيق في كتابه “تاريخ الأمازيغ“، إن رمسيس الثالث، ملك مصر، فشل في وقف الزحف الليبي نحو وادي النيل في القرن الثالث عشر، وبالتدريج صعد بعض العناصر الليبية الأمازيغية إلى السلطة، من ضمنهم شيشنق الذي أصبح ملكاً لمصر.

ويثبت الأمازيغ نسب شيشنق الليبي من خلال لوحة “حور باسن” المحفوظة الآن بمتحف اللوفر، حيث تصل سلسلة النسب إلى جده الثامن بويو واوا، وهو أحد الأسماء الليبية بلا شك، فيما تسمى قبيلتهم “المشواش”.

لوحة باسن حور

هناك رواية أخرى، تقول إن السنة الأمازيغية جزء من الإرث الروماني الذي ورثته منطقة شمال إفريقيا، وإنها مجرد تقويم زراعي عادي. وأدلتهم في ذلك، أن شهور السنة الأمازيغية تتشابه تماماً مع شهور التقويم الجولياني، فشهر يناير/كانون الثاني في الجولياني اسمه يناير في الأمازيغي وفبراير/شباط اسمه فورار، وأبريل/نيسان يسمى يبرير وهكذا.

الرواية المصرية

العديد من الكتّاب المصريين ردوا على الروايات الأمازيغية التي يتهمون الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، بترويجها من أجل أغراض سياسية، وتبدأ الرواية المصرية بتفنيد تزامن حقبة رمسيس الثالث مع الملك شيشنق، فالملك رمسيس الثالث تولى حكم مصر بدءاً من 1186 إلى 1155 ق.م خلال عصر الأسرة الـ20، بينما المصادر التاريخية المستندة إلى أدلة أركيولوجية تذكر أن شيشنق أسس الأسرة الـ22 سنة 950 ق.م، أي إن الفاصل الزمني بينهما يتعدى 200 عام على الأقل.

ثانياً، رغم أن الجد الثامن لشيشنق ليبي الأصل، فإن شيشنق نفسه يعد مصرياً، فقد تكلم اللغة المصرية القديمة وعبد آلهتهم واعتنق ثقافتهم، وهذا يعود إلى انتقال جده السابع ماواساتا إلى مدينة إهناسيا المصرية، وهناك تمصَّر وأصبح كاهناً، بحسب راجح زاهي، أمين متحف النوبة بأسوان والمتخصص بتاريخ حضارات الشرق القديم.

وبحسب الباحث الأثري والمرشد السياحي، محمد محيي، استطاعت قبيلة “المشواش” الليبية التغلغل في عصر المملكة الحديثة من خلال استخدامهم كجنود في الجيش، ومع تدرجهم بمناصب الجندية المصرية وتنامي نفوذهم في مناطق تجمعات سكنية خاصة بهم داخل مصر، تبلور هذا النفوذ في عصر الملك المصري بسوسنس الثاني، حيث شغل شيشنق منصباً هاماً في بلاطه كمستشار عسكري.

الملك رمسيس الثالث على اليسار

وصل سلمياً للسلطة

يقول محيي لـ”هاف بوست عربي”، إن شيشنق استطاع السيطرة على العرش من خلال الزواج بابنة الملك بسوسنس الثاني آخر ملوك الأسرة الـ21، بجانب عدم وجود منافس مصري خالص.

ويوضح محيي أن الدلائل تشير إلى انتقال الحكم من الأسرة الـ21 إلى الأسرة الـ22 دون إراقة للدماء، وأن رابطة النسب هي الدافع لذلك، فبسوسنس الثاني لم ينجب ابناً ذكراً؛ مما دفعه لتزويج بنته إلى ابن أقوى رجل في الدولة آنذاك، وهو شيشنق، من أجل المصاهرة.

وسمّيت الأسرة الـ21 بلقب الملوك الكهنة، وقد سمي هذا العصر بالاضمحلال الثالث؛ بسبب انفراط عقد المركزية الملكية بجانب الاحتلالات الأجنبية، مما مهد لصعود حاكم قوي كشيشنق.

وقد حكم شيشنق مصر وفقاً للتقاليد المصرية القديمة، كتتويجه من خلال الألقاب المصرية القديمة، مثل “حج خبر رع ، ستب-ن-رع”، ومعناه “الساطع في اشكاله هو رع، الملك المختار من رع” وهو اللقب نفسه الذي حصل عليه ملوك سابقون مثل رمسيس الثاني، وقد سمّى شيشنق نفسه “شيشنق مري إيمن”؛ أي شيشنق محبوب آمون، وآمون إله مصري مشهور، كما أنه حصل على الألقاب المصرية الخمسة كاملة، بحسب عالم الآثار المصري الراحل، عبد الحليم نور الدين.

وفي الختام، يبدو أن الروايتين تناقض إحداهما الأخرى، سواء من حيث التسلسل الزمني أو من ناحية دقة سير الأحداث، فما رأيكم وأية رواية تصدقون؟

Exit mobile version