الجمعة الثالث عشر

يحفر التاريخ عميقاً فينا، ويترك آثاره الدالة عليه، وغير القابلة للحت أو التعرية.

يسكننا التاريخ ويظل حياً لا انقضاء لتأثيره ولا زوال لما يتركه على أكتافنا من أحمال.

أسوق لكم مثلاً على ما تركه التاريخ وتقلباته من جروح عميقة ما زالت صامدة تأبى أن يطالها النسيان.

ملك فرنسا حينها فيليب الرابع (فيليب لوبيل) وبعد أن رُفض طلبه بالانضمام لجماعة فرسان الهيكل التي كانت ومنذ عام 1139، كما صرّح حينها البابا أنوست الثاني، لا يخضعون ولا يدينون بالولاء لأي سلطة دنيوية أو كنسية إلا البابا وحده.

لم ينسَ الملك المتغطرس هذه الصفعة التي وجهت له، كيف لا، وملوك أُخُر (كالملك الإنكليزي ريتشارد قلب الأسد، تم قبولهم كفرسان ضمن هذه المنظمة القوية التي باتت اعتباراً من عام 1128، بعد عشر سنوات من تأسيس الجماعة على يد هيوغز دو باين، أقوى نظام سياسي وديني واجتماعي في كلّ أوربا.

الجماعة هذه، كان الهدف الأول من تأسيسها، هو حماية قوافل الحجاج المتجهين إلى الأراضي المقدسة، وعام 1118م منحهم ملك القدس (بودوين الأول) أجزاء من قصره الملكي، تكريماً لمهمتهم بحماية حجاج الأراضي المقدسة.

عام 1128م عقد مجلس كنسي، جرى الاعتراف خلاله بـ فرسان الهيكل كنظام ديني، سياسي، ومنح مؤسسه وقائده لقب السيد الأعظم.

عقدت الجماعة ارتباطات مع مجموعة الحشاشين الإسماعيلية الشيعية التي أسسها الحسن بن صباح عام 1094م.

ثارت الكثير من الأقاويل حول انتقال الجماعة من الأراضي المقدسة إلى أوربا، متنازلة عن مركزها السياسي والعسكري في الشرق وتشعب علاقاتها في أرجاء أوربا.

البعض قال؛ أن فرسان الهيكل أثناء تواجدهم في القدس سرقوا الكنز المقدس، والذي يحوي كل كنوز بني إسرائيل من ذهب ومخطوطات قيمة، وتسلسل للأنساب الملكية منذ عهد النبي داوود، وقد حمل ذلك الكنز أثناء فرارهم بعد سقوط عكا بـ17 سفينة، ويجهل إلى الآن أين ذهبت تلك السفن.

يوم الجمعة الثالث عشر أكتوبر 1307؛ أمر ملك فرنسا فيليب الرابع باعتقال كل فرسان الهيكل في مملكته، وخلال سبع سنين تالية، جاء دور محاكم التفتيش، لتسجن كل فرسان الهيكل في كل أوروبا وتحاكمهم، تستجوب، تعذب، وتعدم.

في 22 مارس 1312م تم حل النظام رسميا بالمرسوم البابوي الصادر عن البابا كليمنت الخامس.

أما في عام 1314م فقد تم حرق السيد الأعظم الأخير للفرسان (جاك دو مولاي) على الخازوق.

هكذا، سطّر لنا التاريخ أعجب قصة قد تُروى، وفي يوم وليلة، انتقلت تلك المنظمة ومنتسبيها من أعلى القمم إلى قمة الحضيض، فقد لوحق الجميع وقتل وحرّق بل وحُرموا من البركة والإيمان.

وحتى الآن، تتشائم مجمل أوربا من الرقم 13 وتجعل يوم الجمعة إذا تصادف مع تاريخ الثالث عشر من الشهر جمعة سوداء، تشاؤماً من تقلبات الدهر وما قد يعصف به على حين غفلة.

 

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version