الحياة الطيبة في الدنيا… والسعادة في الآخرة

لطالما اشتعل الرأس شيبا ونحن نبحث عن السعادة التي يفتقدها جلنا، ولا يعرف كيفية الحصول عليها والوصول إليها، السعادة التي لا توجد في المال ولا في السلطة ولا في الرفاهية؛ السعادة التي لا مكان لها في الحياة مكانها في البال.. 

السعــادة اصطلاحا 

من الصعب جدا تعريف السعادة تعريفا شاملا وموحدا؛ لأن مفهوم السعادة يختلف من فيلسوف إلى آخر، كما أن السعادة مفهوم مجرد يتجاوز نطاق ما هو حسي وما هو معقول إلى ما هو خيالي. وبالتالي، يصعب الإحاطة بكل ما هو خيالي، وتطويقه بكل دقة وضبط، وحصره في مجموعة من التعاريف والخاصيات. لذا، ينتج عن هذا المفهوم مجموعة من الإشكاليات ومجموعة من الأجوبة التي يصعب تحديدها..

وقد صدق الفيلسوف البريطاني شامفور حينما قال: “السعادة ليست بالأمر الهين، فمن الصعب أن نعثر عليها في ذواتنا، ومن المستحيل أن نعثر عليها في الخارج”.

ومن ناحية أخرى، فالسعادة في المفهوم الفلسفي العام هي حالة إرضاء وجودي قد يكون ماديا أو عقليا أو وجدانيا، وتترابط هذه السعادة بالخير والعدل والواجب والعقل والقلب والجمال والوجود والفضيلة والكمال. كما أن السعادة هي أقصى المراتب التي ينبغي أن تصل إليها الذات البشرية الكائنة من أجل فرض آنيتنا وتحقيق وجودها الأنطولوجي والأكسيولوجي (الأخلاقي).

كم حيينا بشيء يشبه السعادة وظنناها أنها السعادة 

وقد علمت أن كل هذه الأنواع لا تسمى سعادة بعد أن رأيت في القرآن الكريم أن كلمة سعادة لم ترد سوى مرة واحدة، في قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)

فالسعادة الحقيقية التي ذكرها عز وجل لا تنقطع أبدا فهي متواصلة وليس لها وجود في الدنيا، السعادة الحقيقية السرمدية هي عند الله تبارك وتعالى.. وقال الرسول الكريم :”لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه”، فإن راحة المؤمنيين وسعادتهم تكمن بإيمانهم بربهم الذي لا يخلف الميعاد.

ويرى ابن سينا أن السعادة الحقيقية لا تكون لا بالحس ولا بالبرهان، بل تكون بالتحلل من إسار الجسد والاتصال بالعالم القدسي النوراني، والسبيل في ذلك هو القلب والروح وتطهير النفس الناطقة.

يعتبر الفلاسفة أن السعادة المطلقة هي سعادة العقل الذي به يدرك الإنسان ذاته ووجوده، وبه يدرك خالق هذا العالم وصانعه وفاطره من خلال تدبر المصنوعات والمخلوقات الدالة على وجود الله ووحدانيته. 

نستنتج مما سلف ذكره أن السعادة عند عامة الناس مرتبطة بإشباع رغبات الجسد وإرواء الذات الحسية المادية عن طريق الأكل والشرب وإمتاع الغرائز وإشباع الشهوات واللذات الحسية، بينما السعادة عند الفلاسفة مقترنة بالعقل والمنطق والاشتغال بالفلسفة من أجل معرفة المعقولات والخالق الصانع.

وإن ما نعيشه في الحياة من سعادة عامة تدعى حياة طيبة وكما ذكرها الله تعالى في قرآنه المجيد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فكل الأمور التي وردت في أعلاه لا تدعى سعادة بل تدعى حياة طيبة؛ وقرن الله تعالى العمل الصالح في الحياة الطيبة.. 

إن كل الملذات والرفاهيات والمناصب والنجاحات، التي يحققها الإنسان في الدنيا ويعتقد أنها في سعادة مطلقة كبرى، ما هي إلا جزء من السعادة أي الحياة الطيبة التي أكرمنا بها ربنا في الدنيا.

كاتب التدوينة: محمود عارف

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version