يأتينا حاكم من فراغ يعلن حضوره من خلال انقلاب فجائي يخطب فينا باسم الثورة والوطن، ويسمي نفسه الفارس المغوار الذي أنقذ البلاد من حافة الهاوية، يحشد الناس ليوزع عليهم الوهم والوعود الكاذبة بدءا بالصحة والتعليم والتوظيف وحياة رغدة كريمة لا إهانة فيها أو أذية، يبيعنا الأماني والأحلام ويمارس علينا الغباء.
يستمر في عرض المسرحية، يصفي خصومه من أهل الفكر والعقل حتى لا يعارضه أحد يجهل شعبه ويعيشهم في تغييب كلي ليحشرهم في عالمه الخاص.
تنتهي فترته؛ يعيد الكرة من جديد بانتخابات مزوة وبوعود وهمية كمواعيد عرقوب، فهو رب الشعب الذي لا يغيب ولا يموت.. يعزز حكمه بخونة الثقافة والوطن فيأمرهم بالكتابة عن مناقبه وخصاله ومولده الغربب. يصورونه في صورة الشهامة والنبل لأنه رجل نزل من السماء لإنقاذ العباد والبلاد.
يقوي حكمه أيضا بالفقيه رجل الدين يمده بالأوامر؛ قل كذا حذر من كذا رغب في كذا يقف بيننا الفقيه في مشهد مهيب يضع عمامته يمسك مسبحته ولحيته الكثيفة ترفرف أمام الجموع، أن اتقوا الله وأزهدوا في الدنيا وأطيعوا خلفاءه في الأرض أمراءكم وزعماءكم وحكامكم فالجنة في طاعتهم ويبكي من شدة الورع والتقى.
يذكرنا بالخلفاء الراشدين والأحاديث التي توجب طاعة الحاكم حتى وإن كان مستبدا ويستعرض علينا في مسرحية محبوكة السيناريو الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها والحرية مفهوم جديد داخل على المجتمع والدين.
يحرم كل مظاهر الحياة ومباهجها بأمر من أمير المؤمنين.. أمير المؤمنين الذي يمضي ليله في مداعبة بنات الهوى واحتساء الخمور ويبدد ثروة البلد في اقتناء أشياء ليس لها قيمة أو مردود على شعبه ووطنه. يشيد القصور في أرض الغرب خشية أن يسقط من مكانه ويلتهمه الغول لأن الحكام لطالما ما امتلكوا حساسية من انقلاب الشعوب حتى وإن أجادوا تجهيلهم.
على هذه التراجيديا الهزلية عاشت كل الشعوب العربية وتربت لذا تجدنا في مؤخرة الشعوب على جميع الأصعدة، كأنه مقدر لنا الشقاء والعذاب عذاب من أشخاص يحكموننا باسم الرب وطاعتهم واجب، سنه علينا الشرع والواقع والفقيه.. ذلك الفقيه الهزلي المتمصلح الذي لا يعرف من الشرع غير مصلحته الشخصية ومهادنة الحكام والسير معهم في ما يرضيهم ويسعدهم.
أمضينا على هذه الحال مئات السنين إلى أن تغير الحال وبدأت الشعوب العربية تمتلك الوعي دون سابق إنذار وأصبح طموحها هو التحرر والانعتاق من هذه الحكومات الشمولية الاستبدادية وكانت الثورات العربية هي نتاج لكل سنين الظلم والاضطهاد الماضية.
عرت الثورة العربية أشخاصا كثر وسامات علمية كبيرة وشخصيات مشهورة ورغم أن الثورات العربية لم تأتِ أُكلها إلى حد الآن لكن ثمارها ستجنيه الأجيال القادمة وستنعم في ظلال تلك الثورة ولن تذهب تضحية الشعوب سدى ولا دماؤها.. ويكفي الثورات العربية جدوائية أنها خلقت الوعي لدى كل الشعوب العربية وجعلتها تتعرف على بعضها وتتقارب.
بعد الثورات العربية؛ فقد أغلب الدعاة الإسلاميين مكانتهم ولم يعد الشباب العربي يلتفت إلى أقوالهم لأنه اتضح له تفاهة هؤلاء الأشخاص الذين مارسوا علينا فن النوم طويلا وفي وقت الحاجة خذلوا الشعوب ووقفوا مع الحكام الطواغيت وساندوهم.