البراءة، الحنان، الأمل، الحياة، النقاء، ئلطيبة، العفوية، البساطة، الابتسامة الصادقة.. كلمات وصفات تربطها خيوط وثيقة بالطفولة.
ترتسم الابتسامة على وجنتي الطفولة فتلون الخدود بحمرة شقائق النعمان وتتفوه بكلمات رقيقة وعذبة فيها من الحب والحنان الشيء الكثير وفيها من الصدق والإخلاص ما يفقده الكثير منا..
وسط ابتسامة الأطفال التي رفضت أن يسلب الحصار براءتها أجول بعدسة الكاميرا في إحدى المدارس ألتقط لحظات الفرح والبراءة الجميلة الممزوجة بالعلم والاجتهاد.
على مقعد الدراسة المفعم بالعلم والأمل، تجلس الطفلة (شهد) ذات الخمسة أعوام مع صديقاتها يتبادلون أطراف الحديث عما حدث معهم في حملة اللقاح التي كانت في مدرستهم وعن حصولهم على البسكويت بعد اللقاح وكل واحدة تقول للأخرى أنها لم تشعر بألم الإبرة.
وسط الحديث؛ والصغيرات يتلذذن بقطعة البسكويت التي حرمهم إياها الحصار المفروض على الغوطة الشرقية.
توقفت شهد عن إكمال قطعتها وقالت لصديقاتها وعيناها تبرق بالحنان والرقة أنها أكلت حصتها وستترك باقي البسكويتة لأهلها وبأصابعها الصغيرة الناعمة بدأت تشير على ما تبقى منها وتقول: “هي القطعة لبابا وهي القطعة لماما وهي القطعة لأخي الصغير”.
أثرت بي كلماتها الرقيقة توقفت بعدها عن تصوير المشهد وجثوت على ركبتي وقلت لشهد هذه القطعة الصغيرة هي مكافأة لكِ فكليها فأنتِ من أخذتي جرعة اللقاح وتحملتي ألم وغزة الإبرة فقالت لي بنبرة هادئة (باللهجة السورية): “عمو البسكوتة كتير طيبة وبدي طعمي بابا وماما وأخي الصغير وأخي حمودة مرضان ومرتفعة حرارته وهو بحب البسكوت كتير، ورح يفرح فيها وإن شاء لله بطيب بس ياكلها لأنو صرلو زمان مو آكل بسكوت وكل ما بروح لأشتري ما بلاقي شي غير الأمردين”.
صرفت عني شهد نظراتها وعيناها تمتلئ بالطيبة وخبأت ما تبقى من قطعة البسكوت في حقيبتها ولكنها في لحظات أعطتني درساً في الإيثار والمأثرة لربما عجزت عن تحصيله بعشرات المحاضرات والدروس.
شهد طفلة من آلاف الأطفال المحرومين من أدنى مقومات الحياة الأساسية والبسيطة فضلاً عن أنهم محرومون أن يعيشوا طفولتهم البريئة بأمان واستقرار بعيداً عن القصف المستمر الذي تتعرض له الغوطة الشرقية وعن مشاهد الدمار والدماء التي يشاهدونها بشكل يومي..
حصار خانق وقصف ودمار وقتل للطفولة الجميلة بل وقتل لكل ما هو إنساني كل هذا وأكثر يفعله نظام الأسد في المناطق التي خرجت عن سيطرته بعد أن أعلنها حرب مفتوحة ضد شعبه الذي خرج عن سكوته وطالب بحقوقه المشروعة بالحرية والكرامة.
إذا كانت صور الشهداء من الأطفال والأبرياء وصور الدمار والحصار لم تحرك الحكومات والأنظمة العالمية التي تدعي الحضارة والإنسانية والتي تفزع لمقتل قطة أو طير، فهل ستبقى شعوبهم صامتة طويلاً أمام كل ما تراه يرتكب بحق الشعب السوري أم أنها ستقول كلمتها وتقف مع إخوانهم بالإنسانية ضد نظام الإجرام وقاتل الأطفال ومعذب الطفولة.