سُئلت:
“لما تطلقتما؟”
فأجبتهم:
“نظرتُ في عينيه فلم أجدني فيهما”..
أظنهم لم يستوعبوا كلامي ذاك وربما أخذوه على محمل الاستهزاء، أتوقع أنهم جميعا تحدثوا فيما بينهم -رجالا ونساءا- وربما قالوا أنها فلسفة فارغة أو مبرر تافه أو لعلها مبالغة، وبين كل تجمعاتهم وتأويلاتهم أدركتُ أنه من الصعب عليهم أن يفهموا قولي لأنهم لم ولن يشعروا بربع ما شعرتُ به حينذاك. حينما طلقني، انتابني شعور أنها نهاية العالم. امرأة مكسورة ومطلقة في مجتمع لا يرحم المطلقات، تكثر عليهن الأقاويل والجميع ينظر إليهن نظرة ناقصة.. صرتُ امرأة مطلقة في عمر السابعة والعشرين، انتهى زواجي بخيبة لم أتوقعها بعد حب ظننت أنه أقوى من أن يتأثر بعوامل الحياة..
أحببنا بعضنا حبا توج بالزواج ودام زواجنا لست سنوات ونصف وأنا التي ظننته سيدوم مدى الحياة ولن نفترق إلا بالموت. كان رجلا أحفظ تفاصيله بدقة، أعرف عنه كل شيء حتى ما لا يعرفه هو عن نفسه، امرأة مثلي لم يكن يصعب عليها أن تكتشف تقلب حال زوجها.. إحساس المرأة لا يكذب.
يوما بعد يوم أيقنتُ أنه تغير، تغير كثيرا وأصبح رجلا أنا نفسي ما عدت أعرفه. من السهل جدا أن تميز المرأة بين الرجل الذي يحبها وبين الرجل الذي ما عاد يحبها، ولطالما تمكنت من إيجاد الأجوبة في عينيه، لغة العيون كانت من أحب اللغات على قلوبنا، لغة صادقة وبسيطة لا يجتاحها الغموض ولا يعتريها التعقيد..، لغة لم أتخيل في يوم من الأيام أن تصبح ضدي، تحمل في طياتها ما قد يسبب الدمار لقلبي.
تلك الليلة نظرتُ في عينيه بعدما شعرت بغرابة تصرفاته منذ مدة لا بأس بها وتأخيراته على غير العادة التي اعتدتها وجلوسه مع النت لأطول فترة ممكنة وكلامه على الهاتف بصوت خافت وكأنني غير منتبهة، فأدركت أنني ما عدت أنتمي لقلبه وما عدت أجد نفسي في عينيه..
سألته هل هناك أخرى فأجابني بنعم بكل أسف، سألته عني فأخبرني بحبه لي، ولكن أيعقل أن يحبها ويحبني في الوقت ذاته؟ ربما، فقد يكون ما بين أضلعه قلبا كريما شاسعا يتسع لقلبين آخرين وربما أكثر.. أو لعل حبه لي انتهى ولكنه يحترم الحب الذي كان بيننا وأضحى مجبورا أن يعبر عن حبه حتى لو كان ما يحس به نحوي ما عاد يمت للحب بصلة..
لا أعلم ولا أظن أنني بحاجة لأن أعلم، كل ما أنا على علم به أنني لم أستطع تقبل فكرة أن تكون هناك أخرى غيري، لم أقبل أن تشاركني غيري فيمن أحب، لم أقبل أن يضعني زوجي في موقف كهذا.. لم أتخيل فكرة الاستمرار معه بعد كل وعوده التي أخلفها، لم أقبل بخيانته تلك التي أخبرته عنها ذات يوم قائلة “الخيانة هي أبشع ما قد يمر على المرأة ومهما كان مقدار حبها للرجل فهي قد تتخلى عن الحب لتكسب نفسها، ولا يسعها أن تغفر أو تنسى أو تتجاوز تلك الخيانة“، أوصيته مرارا أن لا يكون ذاك الرجل الخائن ووعدني أن لا يكون.. ولكنه كان، ووضع غيري في جناح قلبه الملكي..
أحببته للحد الذي كرهت خيانته، وما بين حبي له وكرهي لما قام به طلبتُ الطلاق لأنقذ ما تبقى مني، لأكسب احترام ذاتي وأتمسك بكبرياء أنوثتي التي أهينت على يد خائن وعدني أن لا يخون. اخترت نفسي ولم أبالي حينها لقلبي الذي مازال ينبض حبا، لم أبالي لنصائح من حولي، لم أبالي لنظرة المجتمع وتخلفه، لم أكترث لكل ما ينتظرني ولم أبالي سوى لانكساري.
الطلاق في بعض الأحيان لا يكون دليلا على أن الحب انتهى، بل يكون دليلا على حب ما انتهى، على حب موجع لا يسعك التعايش معه، على شخص قابل حبكَ له بالإساءة، على علاقة وجدتَ فيها خلاصك وها هي الآن انقلبت عليك وصارت هذه العلاقة لا تفعل شيئا سوى أنها تدمرك.. أحيانا تختار المرأة الطلاق حتى لا يتحول حبها إلى كره وحقد، حتى يحافظ ذاك الحب على جمال ما مضى رغم بشاعة ما أحدثه بقلبها، تختار أن تنقذ نفسها لتكسب احترام ذاتها أمامها. وأنا لم أكن من النوع الذي يختار أن يستمر في علاقة زوجية مليئة بالخيانة، تلك إهانة في حق كل امرأة وأنا لم أنوي أن أهين نفسي بالبقاء مع رجل هو أول من أهانني. هُنتُ عليه، فهانَ علي استمراري معه.
الطلاق في مجتمعي يرونه شيئا بغيضا، أو ربما عيب وعار، لن يكترثوا لوجعك وسيطالبونك بالتريث وعدم التسرع، سيطالبونك بالتحمل والغفران، كما لو أن ما بداخل المرأة لا يستحق التقدير والاحترام، كما لو أن قلبها آلة يتحكمون فيها كما شاؤوا، ولا يهم ما الذي تريده هي لأن الأهم ما يريدونه هم، وكانت أول من امتنعت عن طلاقي هي والدتي، حيث قالت لي حينها: ” لا بأس كل الرجال خونة، لا تدمري حياتكِ فقط لأنه قام بخيانتك، لستِ أول امرأة ولا آخر امرأة تتعرض لهذا، هو اختاركِ قبل هذا اليوم، أحبكِ أنتِ، تزوجكِ أنتِ، قد يُعجب بهذه ويُعجب بتلك، ولكن في نهاية اليوم تجيدينه معكِ، يعود إليك، يُفضلكِ أنتِ، الأخريات ينظر لهن بعينيه أما أنتِ فينظر لكِ بقلبه، لقد وصلتِ إلى شغاف قلبه يا ابنتي وهذا الأهم”.
لن أنفي انزعاجي منها، إنها أمي، امرأة مثلي، كان الأجدر بها أن تحس بي، أن تدرك جيدا النار التي اشتعلت بداخلي، كان عليها أن تُشجعني على طلاقي ذاك لا أن تحاول إقناعي بالتراجع عنه، لقد كانت امرأة مثقفة، قارئة، لم تكن جاهلة، ولكنني أيقنتُ أن الجهل جهل العقول التي ترضخ للعادات والتقاليد، تلك أفكار متجذرة ولا علاقة لها بالثقافة والعلم، متأثرة بالتخلف الذي طغى على المجتمع بكل فئاته.
وبالرغم من كل ذلك تطلقت، ليس عنادا فيها ولا تحديا، ولكنني ببساطة لا أقبل على نفسي البقاء مع رجل لم يحترمني، وزاحم وجودي في قلبه بأخريات غيري.
تساءلتُ مرارا لماذا خيانة الرجل يتقبلونها ببساطة؟
لكل شيء أول مرة، وحينما جرت العادة على خيانة الرجال أصبح الأمر عادي وتلك هي المصيبة، لا شيء عادي، خيانة الرجل ليست بشيء عادي ولن تكون، خيانة الرجل أضحت في العلن بدون خجل، وحينما تخون المرأة يصبح الأمر مختلفا فتحدث الفوضى ويصبح العالم بأسره ضدها مع العلم أن الخيانة واحدة، لا فرق بين خيانة الرجل وخيانة المرأة لأنها في نهاية المطاف “خيانة”.
ربما كنتُ متمردة بعض الشيء، ربما كان بوسعي أن أغفر وأعطي لزوجي فرصة أخرى كما تفعل سائر النساء، ولكنني كنتُ مؤمنة أن الرجل حينما يخون أول مرة سيصبح الوضع اعتياديا ولن تكون هناك آخر مرة.
أحببته نعم، وأحبني ذات يوم، ولعله مازال يحبني -لا أعلم- ولكنه سيحب الآلاف غيري، ولأنه رجل فهو لن يكتفي بي، وأنا لن أقبل أن أُقحم قلبي في صراعات مع أخريات لأجله، لن أتعارك مع إحداهن لأكسب قلبه لأطول مدة ممكنة وأحاول الحفاظ عليه، لن أنعم بالراحة في أحضانه كل ليلة وأنا أعرف أن عقله مشغول بغيري، لن أقبل أن أكون دوما على الهامش، وأن يتم وضعي في الاحتياط، لن أعلن الحرب على كل من تُحاول أن تستولي على قلبه، فما دام هو زوجي الذي اخترتُ البقاء معه وأفنيتُ حياتي في إخلاصي له لم يكن عليه أن يضعني في موقف كهذا، لأنني وبكل ما أوتيتُ من حب سأختار نفسي على حساب خسارته.
صحيح أن الطلاق عن حب شيء موجع إلا أنني سعيدة رغم ذلك، لأنه في الوقت الذي تغفر آلاف النساء للخيانة، أنا لم أغفر، ولم أعطيه المجال ليدوس على كرامتي، ولم أعطيه تلك الفرصة المرجوة لأن الفرصة ما هي إلا امتداد لطلب فرص أخرى لا تعد ولا تحصى، ولأن خيانته لن تقف عند هذا الحد، تحررت من وجودي معه.
يُقال أن من يحب يستطيع أن يغفر، وبالتالي فالمرأة عليها أن تغفر خيانة الرجل فقط لأنها تحبه، ولكن هل سيغفر الرجل خيانة المرأة؟ سؤال بسيط ولكنه معقد. والجواب لا، الرجل سينظر لكِ باحتقار وسيمقتكِ وستُنعتين للأبد بالخائنة وربما سيمارس عليكِ كل أنواع التعذيب، فقط لأنكِ قمتِ بخيانته. خيانة المرأة دائما يُنظر لها على أنها شيء مُخجل بينما خيانة الرجل عادة متجاوزة لا يجبُ الوقوف عندها، لأنها من فرط التكرار صارت مقبولة وجزء لا يتجزأ منه وهذا ما يصعبُ على امرأة مثلي تقبله والتعايش معه.
الطلاق قوة رغم ضعف اللحظة، فأنقذي نفسك متى تبين لك أنك في الطريق الخطأ، نهايته ضعف وسذاجة.