العنف ضد النساء وباء آخر يجتاح البيوت في زمن كورونا

خلف الأبواب التي أغلقت للحد من تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد لم تكن المرأة عربيا وعالميا لتتوقع أنها ستواجه ارتفاع في العنف الموجه ضدها، حيث أضحى العالم يواجه عدوى فيروس العنف ضد المرأة إلى جانب عدوى فيروس كورونا.

فمنذ بداية فرض إجراءات الحظر الصحي، توالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع إجراءات الاغلاق التي تتخذها دول عدة للحد من انتشار فيروس كورونا.

ومع الإغلاق على العائلات في جميع أنحاء العالم، تزدحم “الخطوط الساخنة” في العديد من دول العالم، بتقارير حول الإساءة للمرأة، إذ عرفت نسبة تعنيف النساء بفرنسا تزايد بأكثر من ثلاثين في المائة خلال أسبوع واحد فقط، مما دفع الحكومة إلى الاعلان عن سلسلة من الاجراءات لمساعدة النساء على تبليغ عن تعرضهم للعنف وإيوائهم.

 لتنهال بعدها تقارير مشابهة في كل من بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى دعوة للاتخاذ تدابير لمعالجة العنف المنزلي ضد النساء والفتيات والمرتبط بتداعيات تفشي فيروس كورونا.

إلى أنه لا يختلف اثنان على أن وضعية النساء في العالم العربي والمغاربي مع تفشي الجائحة الصحية أكثر شناعة وصعوبة من باقي الدول الأوروبية، خاصة وأن النساء العربيات أكثر تعرضا للعنف حتى قبل انتشار الوباء.  

فثلث نساء العالم العربي ضحايا العنف، بشتى أنواعه، لكون الرجال وأرباب البيوت عطلوا عن أعمالهم ولزموا بيوتهم، كما أن زمان الكورونا جرد بعض الرجال من امتيازاتهم الطبيعية فلا خروج ولا عمل ولا ترفيه ولا صحبة ولا سفر كالمعتاد وتبعا لذلك همشت بعض الأدوار التي تشعرهم بقيمتهم في الحياة، الأمر الذي أثر على الصحة النفسية لكل أفراد العائلة بما فيهم الذكور، وبمجرد مرور الرجال بأزمات نفسية ومالية لا يجد سوى المرأة باعتبارها العنصر الأضعف في الحلقة ليفرغ بها ضغوطه ومكبوتاته.

كما أن الضائقة الاقتصادية التي تمر بها غالبية الأسر، ساهمت في زيادة حدة التوتر في العلاقات المنزلية، ما نتج عنه ارتفاع معدلات العنف نتيجة وجود أفراد العائلة في مكان واحد طوال اليوم، بجانب ضغوط انقطاع مورد الدخل الرئيسي لها. فتأثيرات أزمة كورونا لم تقتصر على الجانب الصحي والاقتصادي فقط، بل امتدت للشق النفسي كذلك لتدفع النسوة أثمانا باهظة نتيجة العنف.

غير أن النساء يواجهن صعوبة في التبليغ عن حالات العنف التي يتعرضن لها، خاصة في ظل الظرفية الصحية التي تحتم البقاء في المنزل، لكونهم الأكثر تضررا والحلقة الأضعف في هذه الوضعية التي تعيشها البشرية، ففي ضوء الأخطار المحدقة بالصحة العامة، تعتبر الكثير من النساء أن الحفاظ على وحدة الأسرة يشكل أولوية على حماية أنفسهم من العنف.

أو لأسباب أخرى تتمثل في عدم امتلاكهم لهواتف، أو حتى لعدم القدرة على الاختلاء بأنفسهم للتواصل مع الجهات المختصة أو المنظمات طلبا للحماية. كما أن بعض النساء اللواتي تعرضن للتعنيف لا يمتلكن مأوى آخر للذهاب اليه والاحتماء فيه من بطش العنف وخطورة الفيروس المميت الذي يحدق ويهدد البشرية جمعاء، زيادة عن انعدام دخل خاص بهم، ناهيك أنهن لا يحملن شهادات جامعية تخولهن الولوج لسوق الشغل. كل هذه الأسباب وغيرها ثقف كمعيق بوجه البعض من النساء من أجل الافصاح عن تعنيفهم.

 وفي السياق ذاته، يؤكد العديد من الاختصاصيين على أن العنف يؤثر بأشكال عدة على ظهور اضطرابات نفسية حقيقية لدى المرأة تحديدا بالتزامن مع طبيعة الوضع الحالي، والقلق الصحي الذي يعاني منه أفراد الأسرة عامة والنساء خاصة.

فوفق آخر الإحصائيات، فإن ثلث نساء العرب ضحايا العنف الأسري في ظل غياب التشريعات اللازمة والإجراءات المنقوصة التي تكفل الحماية للنساء من التعرض للعنف، خاصة وأن العنف ضد النساء في الشرق الأوسط من المواضيع المسكوت عنها، لذى يتوجب على الحكومات العربية تقديم المزيد من التشريعات والسهر على تنفيذها، من خلال القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز العنصري بين الجنسين. غير أنه وجب التذكير أن مشكل تعنيف النساء لا يقتصر فقط على العرب بل هو واقع معاش يمس حتى الغرب لكنه أكثر حدة في الدول العربية.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version