خلقنا في هاته الحياة لإعمارها واستخلفنا كبشر بعقلنا الواعي المتميز عن باقي الكائنات حتى نتوارث الأجيال وأن لا ينقرض الجنس البشري، فنرقى بعجلة الاستخلاف..
أصبحنا كقرية صغيرة في ظل التطور المهول لآليات التواصل الاجتماعي وفيه نستشعر جميل الآية: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”..
فالتعارف هو بيت القصيد المنشود، والمعرفة هي العلاج الشافي الكافي المعافي للفكر البشري، وحتى نرقى بهاته الطفرة المهولة نحتاج الكثيرة من الحب فهو من يشفي الروح فنسامح حباَ، ونغظ الطرف حباَ، وننسى حباَ، وبه نحيا، لولاه لما دام العرق البشري..
يتضح أن المشاعر الإيجابية هي من تضخ دماء الود والتراحم وتقوي ركائزنا كبشر، والجلي الواضح أن ما نعيشه من حروب ودمار سببه انعدام الحب والرحمة وتغييباَ للمشاعر الإنسانية الحقة..
في مجال موازي للتعارف، حدثتني صديقتي عن الميثاق الغليظ وهو الزواج عن شرف بين اثنين لاستكمال ما في العمر من مودة ورحمة، فالمودة غالبة عن الحب -شهوة أكثر من إحساس- والمودة -رحمة وسمو ورقي- لقوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ”..
وحتى لا يستوحش الواحد منا وجب له نصفه الثاني المكمل له، ذاك الانعكاس الفكري والروحي لكل واحد منا، فالله وضع قوانين وضوابط سامية للزواج:
– آدم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.
– حواء: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وتكمل حديثها بتنهيدة حارقة نوعا ما، لكن يا صديقتي هذا الميثاق الغليظ أصبح أجوف عند بعض العقول، غلب عليه الفكر المريض، الطمع الدنيوي، والخبث الشيطاني، حتى صار البعض يخاف من سماع كلمة الزواج، ولك كم الطلاق المهول والعنف المدمر والتنفير وتصعيب الحلال والترغيب ثم تسهيل الحرام..
وتكملة لحديثها بعد أن صدمت وفشلت في بناء مشروع زواج كان ظاهره خير وداخله فراغ، في بناء أسرة طيبة على أسس عميقة وركائز متينة، حالها حال كل فتاة، انكسر نوعا ما تقديسها الفكري وصفائها الروحي لمؤسسة الزواج، نعم شابته أكاذيب وتطاول لا يليقان بهذا الصرح العظيم، فتجد آدم يرسم الأحلام، ويبني الأماني ويمني النفس بكل طيب وإذا صدفت الأبواب ظهر ما كنا نخشاه من قبيح المعاملة وعقيم المعشر..
تقول ضاحكة: كان دائما في مخيلتي رفيق الدرب الذي أريده جزءا من كل شخصية تأثرت بها في حياتي، حتى وإن كنت قد قلصت كمالية الزوج ورؤيتي الحالمة لآدم، فما أجمل أن يكون شريك الدرب المصطفى العدنان في حبه وعشقه لأمنا عائشة، وعظمة أخلاقه وصبره وتواضعه وقلبه الكبير المحب لكل خير، وشيئا من الداعية مصطفى حسني في تناسقه الدعوي الديني البسيط وطرحه للمسائل الفقهية بكل سلاسة، وقليلا من مصطفى محمود بمكنونه الفكري الرهيب وتأمله العلمي المطابق للقرآن وطرحه الموضوعي المبهر، فقليلا آخر من أحمد مازن الشقيري وغوصه في عوالم مختلفة برقي حواره واختراقه للقلوب بخواطره الحقة الغنية..
تريده حالما مجنونا عاقلا، المعلم لأطفالها، نِعم الأب والرفيق حتى تتفادى أشباه أطفال، أشباه أحلام، وأشباه أفكار، تريد أن تضفي شيئا في هذا العالم، أن تترك أثراَ، تريد من لا يفارق البسمة على محياها وفي كل يوم معه هو شكر لله، وتأكيداً لها أنه هو من تريد..
تستكمل باسمة: نعم هكذا أو أكثر ما دام لنا في الأحلام حياة، أريده جزءا من كل طيب، وخيراَ من كل درب، إيه نعم لا يوجد أحد كامل، كلنا عيوب ونواقص لولا ستر الرحمان، لكن نبقى بطبعنا نظفي جمالا على قبح، لكل منا بصمته المغايرة حتى في الأحلام، نعم أنا حالمة ومريضة بالنظرة المنتظمة والمنمقة لكل شيء من رأسي إلى أخمص قدمي وهذا مخيب للآمال في الواقع..
حكمة الله هي الغالبة وفي تدبيره ما يغني عن الحيل، ربما أحلامنا، ما نريده سيؤذينا، لكن نصيبك، قسمتك، ستصيبك حتى نعلم أن ما وقع لنا كان لا بد منه حتى يقويك، كي تصير ما أنت عليه الآن من فكر ثابت ورؤية أوسع للحياة..