الكتابة في زمن الفيسبوك

“يوماً ما سأصبح كاتباً” ربما كان هذا الحلم يراود المرء منذ طفولته، ويكنه في قرارة نفسه، لكنه في كل مرة تسأل مدرسات الابتدائية سؤالهن المعهود: 

“شو بدك تصير بالمستقبل؟

يجيب -كما الجميع- دكتور آنسة.”

فلا هو أقل شأناً منهم، ولا العادة تقبل غير هذا الجواب..!

يكبر المرء، ويفهم يوماً بعد يوم أن الكتابة ليست تخصصاً جامعياً تجتازه، ولا الرغبة -أو حتى الموهبة- تكفي لأن تكون كاتباً، فلابد من الاستفاضة في القراءة والبحث، وزيادة مخزونك الثقافي واللغوي، وتوسيع دائرة معارفك وتعاملاتك للوصول لمادتك الأولية، فما الكتابة إلا نتاج تحصيلك الثقافي والمعرفي والاجتماعي.

كل هذا كان قبل أن يؤسس لنا مارك الفيسبوك، فينشئ كل منا حسابه الخاص، ويتربع على عرش رئاسة تحرير صفحته، ليفوق عددُ كتاب اليوم عددَ قرّائهم…!!

أبحث اليوم عن الزملاء “الدكاترة” أيام جوابنا الموحد، فأتفاجأ بهم جميعاً وقد أصبحوا كتاباً عبر فيسبوك. ماذا فعلت بنا يامارك… هذا ليس عدلاً؟!

لا أحد ينكر أن “الفيسبوك” أتاح مجالاً واسعاً أمام الشباب الباحث عن اسم له بين الكتاب، وأمّن فرصة ذهبية لنشر نتاجه من الكتابة ما كان ليجدها لولاه، ثم التحق بهم  الكثير من أعلام الأدب اليوم، وأصبح الفيسبوك جزءاً هاماً من نشاطهم اليومي، ووسيلة سهلة للتواصل مع جمهورهم، لكن هذا “الفيس” المتاح للجميع -باختلاف أعمارهم وثقافاتهم ودرجة تعليمهم- جعل من الكتابة مهنة الجميع، وحمّل القارئ عبء البحث وحسن الاختيار.

“إن أهم وسائل انتشار الهراء -على حد قول الكاتب د.أحمد خيري العمري- هو خجلنا أن نقول لصاحبه أنه هراء” وفي عالم “الفيسبوك” كثيراً ما يتطور هذا الخجل إلى نفاق بيّن وتملق واضح، يفضح أتباع نظرية “اللايك باللايك والتعليق لمن ابتدأ”، ويشجع كل من يبحث عن المدح والثناء على نشر المزيد من الهراء تحت اسم كاتب…!!

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version