المد الشيعي على بلاد المغرب في الوقت الراهن.. للتاريخ رأي آخر

وسائل الإعلام الإسلامية والسنية منها خاصة، أو تلك التي أراها تعادي الأطياف أو المذاهب أو الفرق الإسلامية الأخرى على رأسها “الشيعة“، باتت ترهب الجميع من شيء سمته “المد الشيعي” أو “الزحف الشيعي” أو “التشييع” ضد السنيين، وبلدان المغرب معنية بهذا المد.

ليس بالضرورة أن أتخندق مع هؤلاء وليس بسهولة أبدا الانجرار وراء كلام شبيه بالخرافة وأنا الدارس للتاريخ خاصة الوسط الإسلامي منه، ببساطة لا يمكن التصديق أن المد الشيعي الذين يطبلون له نهارا ليصل المساء قبل حلول الليل، حتى يقول لهم الجميع “أصبتم وكنتم محقين فيما تصورتم وما أعلنتم وما خوفتمونا به منذ دهر وزمن وعقود أقصد أعوام قليلة وفقط”.

بالعودة إلى تاريخ قيام أول دولة شيعية المذهب كانت في بلاد المغرب وكانت يومها تعرف بدولة بني عبد واد أو الدولة العبيدية، والتي لم تعمر طويلا ولها قصة مهمة ومميزة في تاريخ بلاد المغرب الإسلامي وخصوصا الجزائر التي كانت مهد هذه الدولة في منطقة إيكيجان بمنطقة القبائل في ولاية بجاية اليوم، والتي عرفت صاحب الدعوة للمذهب الشيعي على فرع الإسماعيلي وهو “أبو عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى”، قبيل انتقالها إلى تونس وبها أسسوا مدينة المهدية، وبعدها انتقلوا إلى مصر وبها بنوا القاهرة وكانت الدولة الفاطمية.

ربما كثيرون لا ينتبهون إلى هذا التفصيل ومنه أن الدولة قامت في قبيلة كتامة الجزائرية التي كانت تسكن منطقة الأوراس، الغريب أن خلال انتقال الدولة العبيدية إلى مصر ونقل معها مقر الحكم، انتقل معها كل شيء حتى المذهب والذي طبعا تعرض إلى حركة مقاومة كبيرة من طرف أصحاب مذهب الإمام مالك، ولم يبقَ غير بعض السلوكات والمفاهيم الشيعية في لغة وتصرفات المغاربة، يعني أن المذهب لم يترسخ في بلاد المغرب، ولم تبقى له في حياة الناس والمجتمع بشكل عام مكانة، وذهب وكأنه لا حدث..

حتى أننا لا نجد مدرسة فقهية أو عقائدية راسخة في بلاد المغرب والأندلس اللهم إلا في الجانب الكلامي والفلسفي كان منتشرا بقوة، لكن كمذهب بين الناس عاش طويلا أو قامت له دولة بعد هذه فلا نجد تقريبا، وتكفي إطلالة على الدراسات الاجتماعية والفقهية وحتى السياسية منها في التاريخ في دول المغرب اليوم حتى نتأكد أنه لا يوجد، لا أدعي أنني اطلعت على كامل ما ألف ودرس في هذا الباب لكن ما هو منشور ومطبوع يقول بهذا.

لا أخفي سرا حين أقول أننا وفي زمن نسعى إلى البحث عن تحقيق النهضة وإعادة بعث مجتمعاتنا بوعيها وكينونتها، فلا يجب أن يأخذ الموضوع أكبر من حجمه لأن من يهول خرافة “تشييع المسلمين عامة” واهون ولا يقرؤون التاريخ، فرغم كل القرون التي انقضت لم تستطع الفرق الشيعية كلها بمتطرفيها ومعتدليها لم يقدروا على تشييع إلا حوالي 200 مليون مسلم حسب أرقام غير رسمية إلى اليوم بمختلف الفرق الشيعية، فيما يبقى المليار المسلم ليس شيعيا..

كما أن المغاربة إلى اليوم لم يتشيعوا وهم الذين احتضنوا دولة شيعية كاملة، ولم تبقَ جماعة شيعية قوية ناشطة عبر التاريخ المغاربي، ولهذا الحديث على قضية تشييع المغاربة لا يزال يكذبها التاريخ والواقع اليوم، ولا يكن بسهولة القول بقول هؤلاء المخوفين لنا من الشيعة والتشيع خاصة حين وقوفنا على مصادرنا التاريخية المغاربية والأندلسية لا نجد ذلك التواصل العظيم للتشييع بعد خروج العبييدين الذين عرفوا فيما بعد بالفاطميين اتجاه المغاربة، دونما إنكار ما تركه أهل الشيعة من أثر ثقافي واجتماعي وفقهي وخاصة في حب آل البيت ومكانتهم لدى جموع الجماهير، وهو الباب الذي يدخلون منه دائما.

في تصوري أن التشييع عبر تاريخ بلاد المغرب لم ينجح كثيرا ولم يستمر لوقت طويل جدا، ولهذا لتهافت غير المقنع بعد استفراغ عدد من الملفات التي يخوف بها العموم المسلمين كلما انتهت حكاية، ومن قبل عشنا ولسنوات حكاية التنصير الذي لم يتجاوز بضع مئات، على ما وقفنا عليه في الجزائر مثلا، لهذا علينا أن نضع الموضوع في حدوده حتى لا يتحول إلى سلاح في يد جماعة تصنع به مشهد طائفيا نحن في غنى عنه أو تحويل القضية إلى مسألة سياسية أو قانونية أو حقوقية تضرب الحريات الفردية والأساسية.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version