خدعوك فقالوا: المساواة في الإرث

هي مجرد عملية اجترار لأفكار منسية وأقوال مهجورة منذ القدم، محاولة في إعادة إحيائها من جديد، فمثل هكذا دعوات المساواة في الإرث وما أفرزته من نقاشات مجتمعية داخل أطياف البلد الواحد، لا تعدو أن تكون إلا هروبا من الإجابة عن تساؤلات الواقع في بلداننا العربية، إنْ على مستوى مؤشرات الدخل الفردي للمواطن التي هي في تقهقر مستمر، أو حتى معدلات النمو أو الناتج الداخلي الخام وغيرها..

فما كان من سبيل لتغطية هذا الفشل الذريع الذي عرفته سياسات الأنظمة السياسية بعد الرّجّة التي أحدثها ما سمي بالربيع العربي، سوى إعادة بث هذه الأفكار من جديد وتسويقها إعلاميا لصرف أنظار الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي باتت تقض مضاجع الطبقات الكادحة في مجتمعاتنا العربية والمغاربية على وجه الخصوص.

دور المرأة في عصرنا الحاضر

فخدعوك بقولهم إن المرأة في عصرنا الحاضر أصبحت أكثر مشاركة في الحياة العامة، وأنها تزاحم شقيقها الرجل في تقلد المناصب والوظائف نِدًّا لِنِدٍّ.

على عكس ما كانت عليه في العصر البدائي إبان نزول الشرائع السماوية، وهذا أمر يكفي لنساوي بينهما في الميراث.

غير أن هؤلاء تناسوا وعَمُوا عن استحضار ما يلزم به الرجل نظير ما أخذ من ضعف حظ المرأة من التركة.

فهي كزوجة وإن كانت في نفس مستوى دخله المادي غير ملزمة أن تقاسمه ما تملك للإنفاق، إعمالا لفصل الذمة المالية بين الأزواج التي هي من صميم الدين والمضمنة في تشريعاتنا الأسرية كمدونة الأسرة المغربية نموذجا.

وحتى قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانت في ظاهرها قاعدة عامة إلا أن المرأة لا ترث وفقا لها إلا استثناء في حالتين، وما عدا ذلك فقد أحصى علماء الفرائض ما يفوق خمس وعشرين حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل وحالات أخرى ضعفه.

فالأمر ينبغي أن ينظر إليه كون ما أخذ من المرأة نقصانا من حظها في الإرث، فإن مقابله قد ألْزِم الرجل بضعفه من واجبات تجاهها من باب الموازنة في الحقوق والواجبات وإن كانت ترجح كفة المرأة على حساب الرجل إذا تعلق الأمر بالقِوَامَة في الإنفاق التي هي حصرا ثِقلٌ ملقى على كاهل الرجل.

النصوص الدينية عن المساواة في الإرث

ثم خدعوك مجددا فقالوا أن النصوص الدينية المنظمة لأحوال الميراث وإن كانت قطعية الثبوت والدلالة، فإنها خاطبت مجتمعا كان السائد فيه آن إذ، أن المرأة هي وما ملكت متاعا للرجل مما يستدعي تجديد هذه النصوص لتوافق وتستجيب متطلبات عصرنا.

والحال أن هذه الدعوة المبطنة وما تلفه من مَرَامٍ إديولوجية تحاجِجُ في أحكام الإرث بكل وضوح وبدون إلتواء، هي دعوة مصادمة لنصوص الشرع باعتباره مصدرا من مصادر القاعدة القانونية، أكثر من أنها مجرد مطالبة بالمساواة، وسيلتها في ذلك استمالة تعاطف المرأة ودغدغة لمشاعرها وهو بحق تجلٍّ لانتهازية مُغرِضة في أسمى صورها.

إن التطبيق العادل للمساواة بين الجنسين يقتضي أن نساوي المرأة بالرجل في دفعها المهر للزوج والإنفاق على البيت والأبناء، وتجريم إهمال الأسرة في حقهما معا..

وعدم قصر هذا على الرجل وحده، وهو ما لم ولن نسمع لمثله يوما تصدح به حناجر هؤلاء قط.

فالحقٌّ، إن كان مِن شخص عليه أن يطالب بالمساواة فذاك هو الرجل، ذلك أن هذه الشعارات يتم رفعها بطريقة انتقائية برغماتية ونفعية لتوافق هوى البعض.

وما الدعوة إلى المساواة في الإرث إلا ذريعة يختبئ من ورائها هؤلاء ليتاجروا بقضايا المرأة تلبية لمآربهم الخاصة.

هل المساواة في الإرث أولوية في العالم العربي؟

إن الأَوْلَى في المطالبة بالمساواة هي تقاسم ثروات البلاد بين أفراد الوطن على حد السواء، والعمل على الحد من اتساع الهوة بين من اغتنى بين عشية وضحاها غنى فاحشا، وبين من يعاني فقرا مدقعا لا يجد ما يسد به رمقه، هناك في أقاصي الأرياف حيث لا وجود لأبسط مقومات العيش الكريم من تطبيب وغذاء وملبس.

فإنك لتعجب ممن تقلّدوا السلط في بلداننا العربية كيف أشاحوا بوجوههم عن قضايا أوطانهم الحقيقية وصاروا يهدرون الجهد في سفاسف الأمور.

وإنك لتزداد عجبا لما تنظر إلى الإحصائيات العالمية فتجدنا نتَذَيَّلُ الأمم في نِسب الفقر والهشاشة ومعدلات البطالة والجريمة.

ولا زال البعض ممن أعوزتهم الحيلة نحو خلق أفق لتنمية المستوى المعيشي للفرد والرقي به حتى تستطيع بلداننا العربية مقارعة المجتمعات المتحضرة، يسعى لتظليل فشل تجارب الأحزاب التقليدية في تدبيرها للشأن العمومي منذ عقود.

وحتى التجربة السياسية “الأصولية” لما بات يعرف بـ الإسلام السياسي الذي أصبح يزاحم نظراءه على تقلد السلطة، أبانت عن قلة التجربة والدهاء السياسي الكافي لمواجهة كل هذه التحديات.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version