عاد موسم البرد من جديد لتعود معه طقوس سنوية من شراء للملابس والفحم والاستعداد ما استطعنا من القوة لمواجهة هذا العدو الذي كلما تسلل لبيت إلا وخربه.. لكننا ننسى أن هناك فئة هي في أمس الحاجة لنا، هذه الفئة التي تواجه البرد والفقر المدقع بلا شيء إنهم سكان الجبال ودعنا من لغة الخشب إنهم سكان المغرب غير النافع والمغرب المنسي.
لكن كيف سمي بهذا الاسم وما دام أنه مغرب منسي قد يكون مغرب آخر غير منسي، فقد دأب الاستعمار الفرنسي على تقسيم الدول التي يحتلها، وذلك بالعزف على إحدى الأوتار الحساسة التي تجعل البلد منقسما على نفسه، ما يضمن له أن يبقى مدة أطول في البلاد التي يحتلها. فقسم المغرب إلى مغربين، مغرب نافع ومغرب غير نافع.
المغرب النافع والمغرب غير النافع
المغرب النافع هو الذي احتلته فرنسا بسرعة وبدأت تستفيد من ثرواته، والمغرب غير النافع هو المتمثل في كل ما هو وراء سلسلة جبال الأطلس الكبير، وخاصة منطقة الجنوب الشرقي للمملكة، ففرنسا لم تول الاهتمام لهذه المناطق كالذي آلته إلى مناطق أخرى تضمن منها المواد الخام، كما أن هذه المناطق سجلت بطولات كبرى في مواجهتها للمستعمر، وما معارك بوكافر والأطلس وأيت باعمران، إلا أدلة دامغة على قوة ووطنية ساكني هذه المناطق، لا نجادل في أن الاستعمار الفرنسي خرج بجهد كل مقاومي المغرب من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، لكن الذي بقي في أذهان المغاربة هو ذلك التقسيم الشيطاني للمغرب بين مغرب نافع وآخر غير نافع.
لذلك نجد أن المغرب النافع يتمثل في الدار البيضاء، فاس، مكناس، القنيطرة..، مناطق وجهات غنية فلاحيا وذات إمكانيات اقتصادية مهمة، وهي جهات استفادت من أكبر حصة من الاستثمارات العمومية خلال فترة الاستعمار «الحماية»، أما المغرب غير النافع فهو باقي الجهات الجبلية والتي لم تعرف أي نشاط يذكر سوى استغلال للموارد واستنزافها سواء كانت مادية-طبيعية أو بشرية.
وقد كرس المسؤولون في المغرب ما بعد الاستعمار، تلك النظرية الاستعمارية البغيضة، ما جعل مناطق الجنوب الشرقي وجبال الأطلس المتوسط من أقاليم خنيفرة بني ملال القصيبة تعيش المعاناة إلى حدود هذه الأيام، هذه المناطق التي حاربت المستعمر بكل شراسة كالمجاهد موحى وسعيد والشهيد أحمد الحنصالي وآخرون منسيون.
في هذه المناطق طرق مهترئة لا يصلح أغلبها للمشي العادي فما بالك بسير السيارات، ولا تصلح لشيء آخر، غير أنها تدلك على وجود دواوير ومداشر تعيش حالة من النسيان والإهمال العميق؛ إن هذه المناطق تسوء حالتها مع إشراقة شمس كل يوم، ولا يكلف أحد نفسه من المسؤولين بأن يقوم بزيارة لهذه المناطق ويقف عند مطالب سكانها البسطاء الذين لا يطلبون شيئا غير معاملتهم كمواطنين عليهم نفس واجبات المواطنة ولهم كامل حقوقها.
ناهيك عن الجمعيات والتعاونيات التي قيل إنها ستضمن كرامة المواطن وتخلق فرص شغل للشباب والنساء وتدرس الأطفال فقد جعلت من هذه الفئة المهمشة طريقا لضمان قوتهم وقوت أبنائهم.
لأن عادة ما يتم إخضاع التجمعات البشرية عبر ربوع المملكة إلى ولادة قيصرية لإخراج ما يسمى بالجمعيات أو التعاونيات كشرط لتقديم دعم أو تمويل لمشروع. في حين يرى فيها بعض المواطنين مسارا للربح والاغتناء أو ”همزة” ينبغي استغلالها ولو على حساب معاناة الساكنة والمهمشين، ويرتبط ذلك بطبيعة التعاطي مع شكل المؤسسات وجوهر تسييرها، إذ انتقلت عدوى الانتفاع العائلي من منظور حزبي ونقابي ومقاولاتي إلى مجال الجمعيات والتعاونيات. وأضحت بذلك المكاتب مشكلة ذات بعد عائلي صرف لا ينبغي للغريب أن يطلع على خبايا ما يدور بداخله.
وقد تجد في رقعة جغرافية صغيرة جدا مؤسسات عدة “مجتمعا مدنيا” لا نسمع فيها عن كشف للحساب أو مجموعات عامة أو عن انتخابات أو تجديد..، فرؤساء جمعيات ورئيسات لجمعيات، خلدوا داخل هياكلها وربما ورثوها لأبنائهم وعائلاتهم.
لا يسعنا إلا نشد على أيادي هذه الطبقة ونساعدها قدر الإمكان ولو عن طريق رسم الابتسامة في وجوه أطفالها بتنظيم حملات ومساعدة سكان المناطق المعزولة لأن الدولة نسيت تماما هذه المناطق..
ينتظرون زيارة منا لهم.. إنهم أطفال ساكنة الجبال.. الذين يعيشون ظروفا اجتماعية ومناخية صعبة.. فلا تبخلوا عليهم وعلى أهاليهم بزيارة ود ومحبة ومساعدة، تدخلون بها الفرحة على قلوبهم.