كثيرا ما نرفض المقارنة حتى نتجنّب الدخول في تفاصيل قد تُحبطنا أو تُثبِّط من عزمنا، لكن في قضايا المجتمع لابد من ذلك حتى نُحاول الإصلاح قدر الإمكان، أو حتى وضع اقتراحات قد تُخرجنا من عمق التخلف الذي نتخبط فيه.
تقدِّس القارة العجوز فئة الشباب، تعتبره عملة نادرة نتيجة لارتفاع نسبة الشيخوخة هناك، ببساطة تُقدّر أوروبا أهمية المورد البشري الذي يساهم في البناء والتطور، بالمقابل في دولة كالجزائر بحجم قارة وبملايين الشباب العاطل عن العمل، المُهمَّش غير القادر على التعبير عن ذاته والمساهمة في بناء وطنه، لأن السياسات اللاعقلانية وغير المدروسة أو العشوائية الكارثية إذ يمكنك وصفها بدقة أكثر إن قلت سياسات تخريبية تُحفِّز على الفساد.
أتعجّب كثيرا من الذي يقف أمامك مبتسما هامسًا بهدوء تام خوفا من أن يسمعه أحد فينفجر في وجهه صارخا جرّاء ما يتفوه به، لكن ذلك لن يحدث إذ اكتشفت أنِّي أعيش في عالم الأساطير، سأخبركم بماذا يهمسون:
“تفاءلي أنتِ صغيرة والعمر أمامك ستحققين يوما ما مبتغاك، لكن هذا كلّه لن يأتي من الفراغ فالشهادة وتعب سنوات من الدراسة لن ينفعك وحده إن لم! تكن لكِ علاقات وطيدة مع مسؤولين أو معارف ذات نفوذ هنا وهناك”…
مؤسف جدا أن تسمع هذا الكلام من مُدراء وأصحاب مناصب حساسة في الجامعات والإدارات وحتى أساتذة أعطوا العهد على تربية الجيل، حينما تتحول شهادتك إلى كابوس يُذكِّرك بمدى سذاجتك فأحلامك تتبخّر أمام عينيك دون أن تستطيع شيئا، فالفساد في كل مكان، ورغم كل شيء لا نزال نبحث عن مخرج كي نُعبِّر عن أنفسنا وسط العشوائيات اللامتناهية، صحيح لا نملك أيادي خفيِّة ووساطات من أصحاب البِذل البرّاقة، لكننا نمتلك الكثير من الصبر والإرادة وقبل كل شيء الثقة في الله.
لم أعد أتساءل عن سبب الانحراف وانتشار الجرائم فهي نتيجة للإهمال والتهميش الناتجين عن وضع الأشخاص غير المناسبين في المناصب الحساسة، فنحن نرى التعليم بمختلف أطواره ينجرف نحو الهاوية بالإضافة إلى قطاعات أخرى تُعاني في صمت.
جميع المؤشرات تُحفِّز على الهجرة والهرب إلى مناطق أخرى تحترم الإنسان، تمنح الشاب الواعي المتعلم قيمته، تفتح له المجال للإنجاز ثم الإبداع، بعيدا عن الأجواء السلبية والسخرية، فبعد أن ترى سلوك البعض الذي يجب أن يكون قُدوة تسعى للخروج بحلول ناجعة، لكن ذلك كله سراب فمعظم المسؤولين لا يعرفون شيئا عن واجباتهم وكل همهم جمع الثروة والسفر من البلاد إن اجتاحتها أزمة.
سأتكلم بعاطفية وعقلانية، بل سأصف ما رأيته وما أخشى من رؤيته بصورة أبشع مستقبلا، فما يحدث يدفعك للتجرد من أنانيتك والنظر إلى الأرقام المخيفة للبطالة ونسب الانتحار والهجرة غير الشرعية وكذا نسبة الجرائم الناجمة عن الاكتئاب وتعاطي المهدّئات، دون أن أنسى ارتفاع نسبة تجارة المخدرات وحتى أكون عادلة في وصفي ولا أظلم الشباب سهوا، فمن فترة وجيزة مرّت عرفنا أن ممارسي السياسة يهتمون أيضا بالربح السريع ويُتاجرون في الممنوعات، فبطونهم لا تشبع من أكل أموال الشعب ولن تشبع وعلى هذا وجدت طرق مختلفة لممارسة هواياتها وتحقيق مصالحها.