يفتحُ الجزائري عينيه بين أفراد أسرة تقليدية بالضرورة، حتى وإن ادَّعت غير ذلك، مكوَّنة مِن رواسب سوسيو-ثقافية متجذرة وغير قابلة للنقد فضلا عن الانتقاد..
يكبر بين دفات تلك الاعتقادات التي يرثها أو تصل إليه برتبة مقدَّسات عليه احترامها وتبجيلها، وقد يسعى بكافة قواه لإرضائها مِن هذه الناحية العميقة، فتؤسس هذه المكوِّنات عبر تكثيفها العاطفي المجال الواعي للعمق الجزائري (المجتمع الجزائري)، مستندة على عكاز التديُّن الصوري والأداء الجماعي الخالي مِن كافة المزايا الاجتماعية الحَركية.
يغدو الجزائري طفلا، يتعرَّضُ للزجر التربوي والتنمُّر القبلي، ليتشبّع بالأنظمة الجماعية لما يحيط به، فتراه يلعب مع جماعته، يكوِّن علاقات بسيطة مع أقرانه، يحاول إبراز بعض تميُّزه فيكتسب الكثير مِن الاستراتيجيات التي تمنحه قوَّة المراوغة وإدراك سهولة الادِّعاء بما ليس فيه، يتبنَّى قسطًا لا بأس به مِن الكذب والمكر يُبقيه على قيد الحياة، وفي مواقف كثيرة يوفِّر له طوقا للنجاة.
يصبح الجزائري شابا مراهقا، تغلي داخل جسمه هرمونات الاستقلالية وتتفجَّر في صميمه طاقة الانبعاث الشعوري ككائن له خصوصياته التي لا توجد لدى غيره، ممَّا يدفعه إلى الاصطدام الكبير بالأغلال التي يسهر على بقائها حرَّاس الأخلاق الحميدة التي لا يلتزم بها أحد، فيؤسسون دون دراية منهم للتمرُّد أو الخنوع، لرفض كلِّ شيء أو القبول بكافة الأشياء داخل هذا الجزائري الشاب الجديد، معتبرين ذلك مِن واجباتهم التي لا مناص من غض الطرف عنها، باذرين أولى بذور التناقضات في نواة الجزائري المراهق، تلك البذور التي ستنمو معطية ثمرات سامة، تكفي سمومها كافة مَن يتعاطى، مِن قريب أو بعيد مع هذا المخلوق المعتاد.
تكبر التحديات والتضحيات في مواجهة هذا الجزائري البرعم، يبقى هو مراهقا طيلة بقية أيامه، بينما تتعلَّمُ الظروف كيف تقهره على كافة المستويات، محاولة بذلك إلصاق صفة العبودية به، تحت ستار معنى: الأنديجان، وبهذا يجد الجزائري ذاته في حالة طوارئ أبدية، تزلزل أعماقه في كافة الوضعيات، بل إنَّها تبقى ملازمة له بقية عمره، جاعلة منه إمَّا مقاتلا حتى النهاية، أو عبدا بلا بداية.
- نسبة الأمية في الجزائر 2022 هي الأقل في شمال أفريقيا
- Erotik Öyküler: Bir Başka Bir Bakış
- الكتب الإروائية: نموا شهريا في الإمارat العربية المتحدة
- Povesti erotice: o explorare a pasiunii si a sensualitatii
- Erotic Literature: A Legitimate Form of Art and Expression
معظم الجزائريين يختارون الوضعية الثانية، مستغلين ما اكتسبوه مِن النفاق والمراوغة والمكر، فيخلطون هذه الصفات الثلاث، مطلقين اسم “ذكاء” على ما يرشح مِن هذا الخليط، بل إنَّ الذكاء أو الفطنة هما بريئان مِن هذا الخليط السام براءة الذئب مِن دم ابن يعقوب عليهما السلام.
هذا الذكاء الجزائري غالبا ما يكون سيفا حادًّا مشهورا وموجها إلى الجسد الثقافي الجزائري برمته، يدوم مفعوله لأجيال متعاقبة، بل وأحيانا يستعمل الجزائري “الذكي” هذا الذكاء على الصيغة الجزائري للإيقاع حتى بالذين هُم أقرب المقربين منه، فهُو في هكذا مستوى لا يؤمِن حتى بروحه، وبهذا تتوضح للمتأمِّل الأنانية التي لا مجال لحصرها بشكل متوحش جدا.
للأسف وبكلِّ ألـم، الذكاء الجزائري ليس ملهِمًا يدفع صاحبه نحو الإبداع، وإنّما هو عبارة عن حافز بطعم العلقم، يوجِّه كافة القوى التي تنبعث مِن هذا العقل الجزائري إلى اختراق كافة موازين المعقولية في سعيه إلى مجد ذاتي مزيَّف، لا يستقي وجوده سوى مِن الوجود الخارجي، عبر عبادة براديغم، متَّبعا بالحرف والفاصلة كافة التفاصيل التي لا تعبر عن بناء هيكلي بقدر تعبيرها عن حركة هلامية لإشباع ما لا يشبع.
هنا يلعب الحِرمان الذي ولد مع الجزائري وتطوَّر مع كافة مراحل حياته الدور الأساس في دفع فرد بهذه المزايا إلى البقاء ضمن دائرة مفرغة بإحكام، يدور على حدودها الفرد الجزائري ذاته، مستهلكا ما بقي له مِن كبرياء بسرعته القصوى، دون أن ينجح في القفز خارجها، كسجين يعتقد أنَّ حريَّته ستتبخَّر إن ما هو غادر زنزانته التقليدية.