بناة الأهرام ومخترعو الفلافل.. إسرائيل الدولة العتيقة!

خلال عملي الكتابي، وخلال عملية البحث المتواصل عن مصادر موثوقة للمعلومة التي أقدمها لقرائي، صادفت كثير من المواقع التي تتبنى سياسة تضليل متعمد للوقائع التاريخية.

أذكر منها على سبيل المثال، بينما كنت أقرأ موضوعًا في أحد المواقع التاريخية الشهيرة، ذكر الكاتب في مقاله جملة تبدأ بـ (In Ancient Israel they were…)، قرأت الجملة مجددًا وتوقفت عندها قليلًا..

مهلًا يا هذا.. كلمة (ancient) هذه تعني (عتيق)، عتيق ها! ليس قديم أو بعيد الزمن قليلاً، بل تعني عتيق أي منذ قديم الزمان، إلى ما يرجع عمره آلاف السنين! فكيف يمكنك إطلاق لفظ كهذا على دولة تأسست جورًا وعدوانًا في عام 1948، أي منذ 70 عامٍ فقط، أي أنها لم يبلغ على وجودها قرن من الزمان! كيف تبدأ جملتك التي كانت بقيتها تضليلًا وافتراءً تاريخيًا واضحًا، بخطأ لغوي يُنافي أبسط قواعد المنطق!، وكيف تنتظرون منا أن نُكمل قراءتها ونُصدقكم، وأنتم تعلمون أنكم كاذبون، مضللون، سارقون.. سرقتم أرضًأ، وشردتم شعبًأ، والآن تسرقون تاريخهم وتنسبون لأنفسكم الفضل في كثير من مظاهر التراث الشعبي، والسبق التاريخي لشعوب أخرى؟!

كذلك، أذكر في مرة أخرى كنت أتصفح أحد دروس الجغرافيا على أحد المواقع التعليمية، التي تجمع لك دروس مبسطة في مختلف العلوم، وتعرضها لك في بطاقات مصورة وملونة تُيسر لك الحفظ، وتُساعدك على التذكر لاحقًا؛ لأنها تعتمد على استخدام الذاكرة البصرية والصوتية معًا في التعلم؛ فوجدت في الدرس الخاص بدول آسيا خريطة فلسطين القديمة وقد كُتب عليها إسرائيل! ثم وجدت بقعة صغيرة في بطاقة مجاورة قد كُتِب عليها خريطة فلسطين، دون أي إشارة للكيفية التي قامت بها دولة إسرائيل على حساب فلسطين، وكيف اغتصبت أراضيها وتحولت خريطة فلسطين من ذلك الشريط الطويل على امتداد المتوسط إلى تلك البقعة التي لا تُرى!

لا أعلم كيف ستنشأ الأجيال القادمة وسط كل هذا التطبيع والحب والوئام مع العدو التاريخي الغاصب، وهي ترى حكوماتنا تنام في أحضانهم كل يوم، وإعلامنا يُلقي باللوم على الشعب الفلسطيني الذي باع أرضه.

الموقع بالمناسبة موقع كبير، ويستخدمه أحد الموقع الشهيرة في تعليم اللغات. مثل هذه المواقف وغيرها تُذكرني بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن خلال مفاوضات كامب ديفيد في الولايات المتحدة عام 1978، عندما ادعى أن اليهود هم بُناة الأهرامات! والحقيقة، أن بناء الأهرامات لا يزال لغزًا محيرًا إلى الآن، وكثيرًا ما تظهر بين الحين والآخر نتائج دراسات، تستبعد أن يكون بُناة الأهرامات بشرًا. والمدهش، أن البعض يعتقد أن متطلبات بناء أهرام الجيزة كانت تفوق قدرة الإنسان القديم، ويُرجح أن كائنات فضائية هي من بنت تلك الأهرام! كثير من النظريات، بعضها منطقي والآخر جنوني، وكثير من الجدل المُثار حول تلك الأعجوبة المعمارية العتيقة، الأمر الذي لا يسمح لك أن تُصرح بشكل قاطع، أن قومك هم من بنوه، دون دليل يؤكد زعمك!

لكن هذا ما يفعله الكيان الصهيوني حاليًا من تزوير التاريخ، وتضليل العقول، ولا يدخر فيه جهدٌا، مثلما ظهرت مؤخرًا أيضًا ادعاءات تنسب تاريخ أكلة الفلافل إلى إسرائيل، وأنها من اختراع اليهود. في الواقع، ليست لدي مشكلة مع اليهود أو أي طائفة دينية أخرى من المنظور الديني والإنساني، لكن مشكلتي مع الكيان الصهيوني، الكيان الذي يغتصب الأراضي، ويُشرد الشعوب، ويقتل الأطفال والنساء، ويقهر الرجال والشيوخ، ويسرق التاريخ، ويُزوّر الحقائق والأحداث، ويستحل لنفسه ما لا يحل له. مشكلتي مع ما ألقاه في كل حين من تدليس متعمد للوقائع التاريخية، ولا أعلم إن كنت مثل أغلب جيلي الذي لا يقرأ أو يكتب، وإن قرأ يقرأ على عجل دون أن يتحقق من مصدر المعلومة، ويبحث عن مصادر أخرى متعددة لها قبل أن يقنع بها، وينقلها على مسمع ومرأى غيره، لا أعلم ما كنت لأصدق عن إسرائيل!

لا أعلم كيف ستنشأ الأجيال القادمة وسط كل هذا التطبيع والحب والوئام مع العدو التاريخي الغاصب، وهي ترى حكوماتنا تنام في أحضانهم كل يوم، وإعلامنا يُلقي باللوم على الشعب الفلسطيني الذي باع أرضه، ولا يذكر ما قدمه من شهداء، وما بذله من تضحيات بالنفس والدم. يلوم الضحية تمامًا كما يلوم الفتاة، التي اغتصبوها أو تحرشوا بها! لا أعلم كيف أواجه كل هذا العبث سوى أن أرد غيبة أهلي في فلسطين، وأحاول الرد على كل شائعة تُثار أو تضليل تاريخي أواجهه خلال قراءاتي؛ فهذا واجبنا نحوهم وتجاه الأجيال القادمة، وأقل ما يمكننا تقديمه لخدمة القضية الفلسطينية.

جيش إسرائيل مع رئيس وزراء الإحتلال
 يلزمنا جميعًا ألا ننسى قضية أرضنا المغتصبة، وأن نزرع حقيقة قصتها في عقول وقلوب أطفالنا، وألا نتركهم لبالوعة الإعلام المتواطئ تغسل أدمغتهم، وتعيث بعقولهم ووجدانهم فسادًا.

من حقهم علينا أن نتذكرهم دومًا، ونواجه الافتراء الذي ينشره الكيان الصهيوني المُحتل، الذي يسعى بكل جهد لدحر ذكرى القضية الفلسطينية من عقول العرب والعالم أجمع؛ فتراه يستخدم ناطقًا فصيحًا بالعربية يُمثل جيش الدفاع الإسرائيلي، المدعو أفيخاي أدرعي، الذي يُطلّ علينا في كل مناسبة دينية خاصة بالمسلمين يُهنئنا بشهر رمضان أو قدوم العيد، وغيرها من المناسبات، التي لا يكون الغرض منها -لا سمح الله- إظهار روح التسامح والتصالح بين إسرائيل وجيرانها العرب، وكيف لا والناطق باسم جيش دفاعهم يهنأ المسلمين بلغتهم، أي سماحة وتآلف هذا؟!

لكن الغرض، هو دسّ السم في العسل، فتظفر إسرائيل باللقطة الصورية، التي تتدفق منها روح المؤاخاة، بينما تلهو وتعيث فسادًا في الأراضي المحتلة، وتعبث بشؤون جيرانها خلف الكاميرات ومن وراء الكواليس. والأدهى والأمر عندما يخرج لنا السيد أفيخاي؛ لتبرير غارة شنتها القوات الإسرائيلية، ويبدأ بوصف المعارضة الفلسطينية بالإرهابيين، ويقتطع المشاهد والأحداث من موضعها، وينسج السيناريوهات التي تدعم قضيته كما تتوافق مع هواه.

علاوةً على ذلك، لا تدخر حكومة إسرائيل جهدًا في تحسين صورتها في جميع أنحاء العالم، فضلًا عن تزوير الأخبار وملئها بالأكاذيب، تراها تدعم بعض المشاريع في الدول الأفريقية النامية، وتُقدم المنح الدراسية لطلاب كثير من دول العالم، فيراها هؤلاء الدولة الحنون التي تقدم لهم الدعم المادي والاقتصادي، ولم يروا منها شرًا قط؛ فكيف يرونها عدوَأ؟ لكن العاقل الواعي يلزمه الانتباه لما يحاول هذا الكيان فعله، وللأسف نجح في تطبيقه بالفعل وأتى بثماره. مع ذلك، يلزمنا جميعًا ألا ننسى قضية أرضنا المغتصبة، وأن نزرع حقيقة قصتها في عقول وقلوب أطفالنا، وألا نتركهم لبالوعة الإعلام المتواطئ تغسل أدمغتهم، وتعيث بعقولهم ووجدانهم فسادًا. ففلسطين ليست قضية شعبها وحسب -وإن كان بالفعل يحمل همها وحده الآن-، فلسطين قضية أمة وشعوب بأكملها، وواجبنا تجاهها أن نقرأ، ونعمل، ونرتقي بأنفسنا وبأوطاننا.

Exit mobile version