بين اللحن التركي والموسيقى الروحية

“إذا أردنا أن نتخيل الجمال في أكمل صورة فيكفينا أن نستمع إلى موسيقى جميلة”  ريتشارد فاجنر

الموسيقى من أجمل وأعرق الخيارات التي نحبو إليها في فترة قوتنا أو ضعفنا، فبها نكتشف خبايا وأسرار الشعوب التي قدمت لنا بصورة فنية ساحرة تغري كل من سمعها، فيها ثقافة الشعوب وترابط العلاقات الإنسانيةـ انتشرت في الفترة الأخيرة أنواع الموسيقى التي اجتاحت العالم بشهرتها وفخامتها فبين اللحن التركي والموسيقى الروحية نغوص في أعماق جمال هذا الموروث الثقافي الشجي.

فللموسيقى الروحية مهرجان خاص يقام في مدينة فاس المغربية ما بين 12 إلى 20 أيار مايو من كل سنة وقد بلغ عمر دوراته 23 دورة توجت بنجاح عظيم لكونه يجمع بين الرقي والمحافظة على تقاليد وعادات الشعوب المشاركة من كل بقاع العالم تجتمع لتنادي بوحدة الإنسانية ووحدة الشعوب والتعريف بالحضارة تجذَّرت فعالية المهرجان على امتداد ثلاثة وعشرين سنة ظلّ خلالها يقدم الموسيقى الروحية القادمة من مختلف الثقافات الإسلامية وغير الإسلامية..

الأمر الذي جعل منظمة “اليونسكو” تعتبره فرصة ثمينة في مجال التقريب بين الشعوب والتفتح الفكري والفلسفي والديني على “الآخر”، ومكرّساً للقيم العالمية الروحية التي تحتفي بالحرية والاستقلال وتثمين الفكر المغاير ومقاربته، وبفضول العلم والمعرفة.

لتمزج الموسيقى الصوفية مع الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية لنسج تأملات وضاحة تمنح الفكر فرصة نسج الخيال والتخلص من أعباء الحياة فساعة واحدة تكفي لتعيش داخل حضارة عريقة خلدت عبر التاريخ لمدى قوتها في تحدي الصعاب والتحديات التي باتت تعرقل مسيرها بسبب التطور التي فرضتها العولمة والتحديثات التي أتت بها كما لا ننسى ميول الشباب نحو الموسيقى العصرية الجاز والروك والبوب وغيرها ولنجد الموسيقى التقليدية العتيقة بنية الأجداد والآباء الذين كبرو على مسامعها وتذكرهم بحياة الطفولة والجمال والبراءة المعاشة في زمانهم فهي المتنفس الوحيد لهم في ظل الأحداث المتوالية التي تغلي قلوب ذوي القلوب المتذوقة لهذا النوع الموسيقي.

في حين بات اللحن التركي من ضمن السلع الرائجة التي تستهوي الشباب قبل الكهول فرغم الصعاب التي مرت منها إلا أنها استطاعت أن ترسم طريق لها لتكتسي العالم فما سر ذلك يا ترى؟ هل لكون قلوب الشباب هشة؟ أم مجرد إعجاب باللحن ليس إلا..

في السنوات الماضية عرفت الموسيقى التركية تجدرا وتطورا ملحوظا في تركيا بكل الأنواع الموسيقية المعروفة آنذاك الروك والجاز ذاك المزيج بين الموسيقى الغربية والتركية لصنع خلطة سحرية مغرية كان لها انتشار واسع جدا في جل أنحاء العالم في الستينات لتكسر حاجز المعيقات وتتوج بالنجاح والانتشار الهائل وتسجيل عدد هائل من المبيعات في فترة زمنية محدودة..

في حين تميزت الموسيقى الصوفية بكونها الموسيقى الدينية من الدرجة الأولى بطرقها المختلفة الرائجة فإن الطريقة المولوية الصوفية التي أسسها الصوفي المعروف جلال الدين الرومي عام (1203- 1273) هى الطريقة الأكثر بروزا في هذا المضمار الفني والتي لازالت معالمها حية لحد الآن في تركيا، أما الموسيقى الشعبية التي انتقلت عبر الأجيال مع مرور العصور بفضل تطور وسائل الإعلام لتصنع لنفسها مكانا خاصا يجعلها متميزة بين معجبيها،  والموسيقى الكلاسيكية إلى غير ذلك…

فرواد الفن استطاعوا بشكل جيد جدا مزج الفن السنيمائي مع الفن الموسيقى لنجد المتابع والمشاهد يميل للموسيقى ويتعاطف مع الأحداث بفضل الشجن الذي يلقيه الفن الموسيقى في الأعمال ومخاطبته لقلوب المشاهدين قبل عقولهم لحظة لحظة، نجد اللحن التركي يتسرب لذاك الجرح الخفي فينا ويفتح باب الذكريات الأليمة التي مررنا بها يذكرنا بالأحباب والأصحاب وبتلك الأيام التي تناوبت عليها الفصول الأربعة.. تلفحنا الحرارة؛ نتجمد في صقيع الوحدة وتتساقطت أحلامنا اليابسة.. لكن.. ننتظر بكل شغف أن تزهر حياتنا من جديد ككل نهاية فيلم أو نهاية سيمفونية حزينة.

فباللحن التركي نسافر عبر الزمن لنعيش جميع المشاعر والخيبات والأحزان ولما لا الأفراح أيضا لنحط الرحال أمام كل تلك الأحلام بمجرد ضغطة زر يمكن أن تعيدنا إلى الواقع المعاش بكل سهولة..

فالموسيقى من وحي الشعوب، والحكايا من نسج الشعوب، ولكل شعب حكاية، ولكل حكاية نهاية.

كاتبة التدوينة: أمل أكرو

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version