بين حقوق الوالدين وواجبات الأبناء تتوه حقوق وواجبات أخرى

أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالدين والإحسان إليهما وكرمهما وجعل فضلهما عظيمًا علينا وقال ذلك في كتابه؛ “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)”.

وهناك من الكثير من الآيات والأحاديث التي تحثنا على البر بالوالدين ودائما ما يتحدث بها الكثير من الآباء عندما يرفض أبناؤهم الرضوخ لأوامرهم؛ ولكن دعونا نسلط الضوء نحو ظاهرة عقوق الأبناء والعنف الأسري الذي يسود مجتمعاتنا العربية ونتغاضى مدعين أنه ليس للأبناء حقوق عند والديهم سوى الطعام والشراب وحسن المعيشة وهذا اعتقاد خاطئ؛ وفي الأثر أن رجلا جاء إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابنه وقال: إن ابني هذا يعقني فقال عمر للابن أما تخاف الله في عقوق والدك فإن من حق الوالد كذا؟ فقال الولد يا أمير المؤمنين أما كان للابن على والده حق؟ قال نعم، حقه عليه أن يستنجب أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب فقال الابن: فولله ما استنجب أمي وما هي إلا سِنْديَّه اشتراها بأربعمائة درهم ولا حسن اسمي سمَّاني جُعَلاً، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة فالتفت عمر إلي الأب وقال: تقول ابني يعقني، فقد عققته قبل أن يعقك.

تتجلى مظاهر عقوق الأبناء في أساليب عدة منها:

– المفاضلة في المعاملة بين الأبناء

نحن لا نملك محبة القلب لكننا نستطيع التحكم في تصرفاتنا وتنتشر هذه العادة كثيرا في معظم الأسر مما يؤدي إلى نشر الكراهية بين الأبناء دون أن نشعر فجميعنا يعلم قصة سيدنا يوسف وإخواته حيث كان يعقوب عليه السلام يدرك حبه ليوسف عليه السلام وأخوه فطلب منه ألا يقصص رؤياه على إخوته، “إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، قال له أبوه يعقوب عليه السلام “يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”.

– التعسف في الرأي وعدم احترام رغبة الأبناء

إذ نجد أن أحد الأبناء يرغب في الالتحاق بجامعة معينة، أو رفضهم ممارسة هواية أو عمل معين أو إكراه الأبناء على الزواج بشخص لا يرغبون بالارتباط به والسخرية من آراء أبنائهم وعدم السماع لهم والتجاهل لوجهة نظرهم وإهانتهم.

– مقارنة الأبناء بغيرهم والإهانات المبالغ فيها

والضرب والسباب أو فرض عقوبة بدون سبب أو منع قيامهم بواجب معين أو سلب الأبناء أحد حقوقهم كلها أو أحدها مما يؤدي إلى فقد الأبناء ثقتهم بأنفسهم ومعاناة في التعامل مع الوالدين والآخرين.

– التناقض في القول والفعل

حيث يأمر الوالدين أبناءهم بالكلمة الطيبة والقول الحسن وحسن المعاملة معهم ومع الغير وعدم انتهاك خصوصية الآخرين فيتشدقون بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأبيات الشعر لكن إذا أخطأ أحد الأبناء أو شخصا عن حقهم تنحى كل هذا جانبا فينهال أحد الوالدين بالسباب والألفاظ البذيئة وتوجيه الإهانة لهذا وذاك.

– تشديد العقوبات

وقد يصل الأمر إلى الضرب المبرح وتوجيه الإهانات وانتهاك حقوقهم دون التروي والحديث معهم مما يؤدي إلى نفور الأبناء منهم وأيضا قد يسبب لهم سوء الحالة النفسية وبالتالي قد يتعرضوا لمشكلة التبول اللاإرادي بسبب الشدة المفرطة على كل خطأ، وقد يلجأ الولد إلى تحري الكذب في كثير من الأحوال خوفا من العقاب.

يقول الكاتب الغربي كارنيجي: “السماع الكامل له وعدم مقاطعته هو المقدمة الصحيحة لرجوعه عن الخطأ مهما كان عناده، فإن أشد الناس جفافًا في الطبع وغلظة في القول لا يملك إلا أن يلين وأن يتأثر إزاء مستمع صبور عطوف يلوذ بالصمت إذا أخذ محدثه الغضب.

ومن عقوق الأبناء أيضا وما يغيب عن عقل بعض الآباء هو العلاقات المحرمة التي قد يكونها بعض الآباء المتزوجون من حين لآخر؛ فهذا يؤثر تربية الأبناء بالسلب ومن ثم تتحطم الصورة الجميلة للأب التي تكونت لدى الأبناء لذا قال رسول الله “اتقِ المحارم، تكن أعبد الناس” لذا وجب على الأب مراجعة تصرفاته كي لا يقع الأبناء في المعاصي..

ربما لم أستطع إلقاء الضوء على بعض النقاط الأخرى ولكن على الحكومات العربية إصدار تشريعات رادعة للعنف الأسري وعلى الآباء والأمهات إعادة النظر في تربية أبنائهم ومعاملاتهم وعدم التذمر والتمسك بالعادات والتقاليد، ولكن تسليط الضوء على جوانب الدين والسنة واستشارة الأطباء النفسيين لإخراج أجيال سوية ليس من العدل أن يتربى الأبناء كما تربى الوالدين، فقد قال أفلاطون: “لا تربوا أولادكم كما رباكم أباؤكم.. فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”.

كاتبة التدوينة: ريهان خالد عشبه

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version