جئتُ إلى هذا الوعي من اللاشيء، كمشهد ضئيل يرى من بعيد، أو كوشم في ذاكرة الوهم، جئت حافي العقل واليدين أدوس على ملامح الوقت، أتنفس بتاريخ محموم وأرسم العمر مدنا تتهاوى..
سقطتُ من رحم التجارب بذاكرة منسوجة من دم الخطيئة، رمتني الحياة في دهاليزها كعصارة دم ملطخة بالماضي، أسير في طريقي المتخمة بالطوائف التي تتقاسم خزائن الله ووصايا َ أنبيائه..
كل الطرق التي مشيتها حاولت تلويثي وعبادتي، كنت ألفظها كبقايا سجارة بغيضة حتى أبقى نقيا وطاهرا، أرمي كل الأشياء في سقيفة الذاكرة، حتى أستخرجها في ما بعد كألعاب صبي يخبئها بحب وحنان..
وحده، الصوفي يستطيع أن يعرف الله ألف مرة وبألف طريقة وفي كل شيء وفي كل مكان، ووحده يستطيع أن يرى الله في صور متنوعة ومتعددة..
الله الذي خلق كل شيء وخلق آدم كمعدن نفيس يتناسل على درب الأيام، ووضع فيه الحب والألم والحنان كجرس تنبيه يذكره أصله. هو الذي خلق هذه الحياة بكل ألوانها وعذاباتها..
لا أستطيع أن أنام وأنا أحمل هذه الأفكار وأنظر إليها بهذه الطريقة الضبابية، أُفضّل أن أنام وأنا أنظر في ماهية رحمة الرسالات التي تتساقط بها الملائكة على الأرض في بهجة ومسرات فتتحول الحياة إلى مفاهيم وشرائع جديدة تطرد كل لعنة تشوه البشر..
يتملكني الكلام وحيا يتنزل على نبي بعد طول عناء، كلاما يخلق معنى داخلي ويحتم على النور العيش في عالمي، فيهز بيده الحانية الطفل داخلي ويربو على كتفيه قائلا لا تخف كل شيء جائز، فيبتسم الرضا بصوت منخفض وهو يْكلمُ طيف سعادتي بنبرة رخيمة..
إنها معزوفة جن رائعة، تتقن العزف على أحاسيسي فأرسم الناي على شكل إله إغريقي مهيب وأفتح يداي لأعانق بهما كل تفاصيلها..
هي غيم يتشكل لي في كل شيء، تارة يقف لي على حافة الطريق وتارة أخرى يتحول إلى كل الأشياء من حولي.. هي حب مؤذ وصارخ مسكون بروح غامضة، لهذا يتابع اغتصاب روحي المنهكة..