جامع الجزائر الأعظم.. منذ أن وضع حجر الأساس للمشروع سنة 2012 وبكلفة تقدر بمليار و350 مليون دولار (لحد الآن نسبة الإنجاز فاقت 90%)، لم تتوقف الانتقادات التي وصلت إلى حد مهاجمة الجزائر والسعي إلى تلطيخ سمعتها وممارسة الوصاية عليها..
وقد تزعمت فرنسا خارجيا هذا الهجوم وداخليا تمثل في بعض المحسوبين على التيار التغريبيي-الفرانكوفوني فإضافةً إلى إقصاء الشركات الفرنسية من هذا المشروع، فهناك الجانب الديني والذي يتمثل في مسجد يعبر عن روح وأصالة الجزائر وشعبها، فمرة بحجة أن الأرضية التي شيد عليها المسجد لا تقاوم الزلازل، وتارة أخرى بحجة أن هذه الأموال كانت يجب أن تصرف في بناء سكنات ومستشفيات للشعب الجزائري وكأن الجزائر غافلة عن هذه الأمور.
لكن لماذا كل هذا الهجوم والمعارضة الشرسة؟
كلهم يعلمون بأن المسجد الأعظم هو القفل الأخير الذي سيربط المرجعية الدينية الوطنية ويحميها، وهم يدركون أن الجزائر البلد الوحيد الذي لا يملك هيئة دينية عليا، الزيتونة في تونس، القرويين في المغرب، الأزهر في مصر، والأول والثاني والثالث الجزائريون مشاركون في بنائهم إلا أن المفارقة أن الجزائر لا تملك مؤسسة.
وكما يتفق المؤرخون على أن كل مراحل تاريخ الجزائر تعلمت بمسجد، فلما طردنا الإسبان من وهران؛ بنى أجدادنا مسجد الباشا في وهران، ولما أقيمت الدولة العثمانية بنوا مسجد كتشاوة في العاصمة، ولما كانت قبلها الدولة المرابطية بنوا لنا الجامع الكبير وجامع ندرومة في تلمسان اللذين يحملان هندسة واحدة ومتطابقة.
فالجزائر إذا جئتها عن طريق البحر تستقبلك من الضفة الغربية بـ”سانتا كروز” وهران، في ضفتها الشرقية بـ”سان توغيستان” عنابة، في الوسط تستقبلك بكنيسة السيدة الأفريقية بالعاصمة، والآن أصبح للجزائر جامع يُرى من مرسيليا وهذا الذي حقا يقلق الفرنسيين..
كما أن مكان تشييد جامع الجزائر الكبير لم يكن اعتباطيا بل يحمل دلالات قوية، فهذا المعلم الذي يرمز إلى أن الجزائر طردت الاستعمار، حيث يتواجد في المكان الذي غرق فيه أسطول شارلزكان سنة 1542، ويوجد أيضا بالمكان الذي عجزت فرنسا الدخول منه، وكذلك المكان الذي قتل فيه “لوديغ دو روفيغوا” عشرة آلاف شخص، وأخيرا شيد في مكان “الكاردينال لافيجري” الذي بنى فيه كنسية الآباء البيض، هؤلاء الخمس كلهم موجودون في المحمدية، المنطقة التي كانت تسمى بـ”لافيجري” والتي سميت فيما بعد بـ”المحمدية” تيمنا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي أقيمت فيها أول صلاة جمعة للجزائر المستقلة.
وبما أن المسجد هو قاب قوسين أو أدنى من انتهاء أشغال تشييده، فقد بدأت الجزائر في استقبال رسالات التهنئة على هذا الصرح الديني الحضاري حيث كان أول المهنئين بذلك دولة روسيا الفيدرالية ودولة جنوب إفريقيا التي أسمته بالمشروع الحضاري الذي يدعم سمعة إفريقيا.
فالجزائر بهذا تبني جامع وجامعة وتاريخ للمسلمين.