العيون الممتلئة دمعا هي العيون الأصدق والأكثر نقاء مهما كلفت الحياة من ثمن أو أثمان، هي العيون التي ترصد الحقائق طمعا في اكتشاف الحقيقة التي لطالما تجلت في آخر رواق التفكير، هي المرآة التي تجعل من الإنسان (L’être humain) الأقرب لذاته، والأكثر وضوحا عندما يسير على قلوب عبدت نواحيه؛ هي تلك المدد التي عملت جاهدة على التفريق بين الظلم والضباب، على توضيح القيام بعد السقوط، على فهم ما يدور بين كافة أطراف أنواع التمويه، لهذا يجب احترام الدمع، لأنه يتجاوز بكثير ما نسميه بـ: السمع، يتجاوزه نحو زاوية أكثر قداسة، تلك التي تغلفها بالإنصات.
الحياة هي رحلة اكتشاف، يخوضها الإنسان ضمن مغامراته التي لا نهاية لها، يعتلي بها سقف الآفاق بلا تردد، محاولا وبلا هوادة أن يعيد ترتيب أولوياته، يجيد فن البقاء، ويتعلم كيف يصغي بلا ندم، يسير على منعرجات لا يدرك نهاياتها، يعيد الوقوف بين الحين والحين، ليس هزيمة منه، ولكن من أجل تصحيح ما بقي له وبين يديه.
يهفو الفرد نحو غدق اليومي بلا تراجع، يشتاق لمراسلاته العديدة، تلك التي تحتوي الكثير من المغالطات والأغاليط، لأن العلاقات التي ينسجها الفرد ما هي سوى بالوعات أفكار، يقدس بعضها، يكره بعضها الآخر ويعتنق ما تبقى منها بشكل فوري، لهذا يصبح العالَم بين أيادي الأفراد مثل قاعات بلا جماهير، مجهولة الهويات والانتماءات.
لكل فرد حياته، مجاريه ونواهيه، لكل منا اتجاهه، علاقاته وعلامات رضاه، لكل إنسان أقداره، تلك التي تتأسس على رفاة العقل والمنطق، تلك التي تولد من أرحام المزاج والهوى، لهذا يصبح من المجهول مرامي الأفراد، تصبح مجاهيلا بلا ترددات، ولا تعقيدات، تتحول إلى أقبية تساير مناهج الأحداث والوقائع، المآخذ والعبر.
الحياة قصيرة يا عالَم..
السلالم التي توضع على قارعة الطرقات توجه الإنسان نحو الأهداف، تحمله على لقاءاته الغريقة بين أنياب الذئاب واللئام على حين غيرة، تلك التي تقود الفرد نحو آخر قلاع الفتوة، تحمله على الاجتهاد من أجل بناء أمر ما، يصبح ملكا له، يسجل عليه اسمه، ليتحول لأيقونة تسير على حبال دهشة الإنسانية بخاصة؛ لم يتعلم الفرد كيف يعيش وحيدا، يعلمونه كيفية احتراف الجماعة والتجمعات، بينما هو الوليد وحيدا غريبا غريقا بين فيضانات الوجدان وأنانيات الإنسان، لم يعلمه أحد مكر المعيش، ولا أزمات التقليد والعجز، هناك بين هذه النقاط المضيئة التي تحفز المرء للارتقاء، لا يجد بين مسارات الحياة من يعلمه الحياة.
رغم كل الصعاب التي تقف في طريق الفرد، إلا أنه يحارب بكل ما له من قوى، ستجده يصارع الوحوش إن ما لزم الأمر، من أجل الاقتداء بما له من مبادئ تارة، والوصول إلى ما له من تجليات تارات أخرى، لأنه يبقى ذاك الباحث عن هُوية اليقين دائما، يبقى محاربا من أجل حياته.
الجميل في الإنسان هو تشبثه بالحياة، هو لا يستسلم للظروف أو الشروط، هو يناضل في سبيل تحقيق أمانيه وما يصبو إليه، هو الحامل للواء وجوده وبقائه بشكل جلي، هو الذي يغالب البقاء من أجل طرد الفناء بعيدا، ليشهد حضور الأزل، هو الطامع في الحياة، في النجاة، في بلوغ أقصى الأماكن بشكل يريحه، فيرتاح. الحياة قصيرة نعم! لكنها ليست سهلة، هي تتخذ من صعوبتها وقودا للمتعة والرفاه، هي التي تبني من النسيج الاجتماعي الوجود بما لها من فضاء ولوازم، تدفع الفرد نحو بناء ما له وعبر ما يملكه، لكنه يجد ذاته غير لائقة به على فترات، فتحمي الإنسانية عبر تضحيتها بالإنسان كالقربان.