حب الظهور والبروز.. بدو يعمل حالو فهمان

خلال وجودي في أحد الأمكنة العامة، أتى أحد الأشخاص وبدأ يأمر وينهى ويقول هذه يجب أن تكون هنا وتلك يجب أن تكون هناك، وهذا التصرف خاطئ وهذا الأمر غير صحيح!

بصراحة لم أفهم ما يريد؛ فسألت أحد الأشخاص بعد رحيل الرجل، ما الذي يريده؟.. فقال لي: لا تدقق “بدو يعمل حالو فهمان”..

هذه العبارة على بساطتها وعاميتها لفتت انتباهي وأعتقد أنها تنطبق على الكثير من الأشخاص والأمكنة، تستعرض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فتجدها مليئة بالكثير من المنشورات لأشخاص عديمي الاختصاص وكلها تتحدث يُمنة ويُسرى عن واقع سياسي أو عسكري أو إشاعات لا معنى لها، أو كلام فارغ بدون طائل وكله يندرج تحت مسمى “بدو يعمل حاله فهمان”.

تأتيك مئات الرسائل على الواتساب التي تأمرك وتفرض عليك شروطها، بل وحتى تتوعدك بالعقاب، من قبيل تلك الرسائل التي يعرفها الجميع، “أرسلها لـ20 شخص وستسمع خبرا مفرحا، ومن ما لم يرسلها تأتيه مصيبة..إ”.. ومن هذا النوع من الرسائل التي لا يكل أصحابها من إرسالها..، كل تلك الرسائل والتخاريف التي تعكس جهل مرسلها، في حين أن مرسلها “بدو يعمل حالو فهمان”.

تجلس في مجلس عام فيتصدر الحديث رجل من الباب إلى المحراب ولا يسمح بالحديث لأحد آخر ولا يدع مجالا لمقاطعته، أو تغيير مسار الحديث مهما كان تافها أو غير مهم أو في بعض الأحيان غير صحيح، فقط لأن المتحدث “بدو يعمل حالو فهمان”.

تطرح مشكلة أو رأي أو اقتراح في أحد الأماكن أو المؤسسات، فتمنع من الحديث أو تُنقض فكرتك من شخص آخر فقط لمجرد المخالفة والسباحة عكس التيار، إن قلت اللبن أبيض، قال: لا بل هو كالح السواد، إن قلت أعزب يقول لك: أين أولاده؟.. لأن الأفندي “بدو يعمل حالوا فهمان”، ولو كانت عندك نفس فكرته لغير رأيه فقط للمخالفة..

في وضعنا الحالي في الغوطة، كم من الجبهات سلمت فقط لأن العسكري “بدو يعمل حالو فهمان”..

كم مريض مات لأن الطبيب “بدو يعمل حالو فهمان”..

كم من الحقوق ضاعت فقط لأن المسؤول “بدو يعمل حالو فهمان”..

كم من المشاريع فشلت لأن المدير “بدو يعمل حالو فهمان”..

وعلى مستوى سوريا؛ بعض الجماعات الجهادية “بدها تعمل حالها فهمانة” على غيرها، وأرادت إقامة دولة إسلامية، لأنها جماعات على حق وغيرها على باطل، ونسيت هذه الجماعات أنها زادت أعداءها رغم كثرتهم من الأساس، وفي النهاية أضاعت أراضيها كاملة وأضاعت اراضي غيرها واستلمها النظام على البارد المستريح.

إن ادعاء الفهم والتفوق على الآخرين وحب الظهور والبروز، قد تكون له أهداف أخرى منها بناء المجد حتى ولو كان على أنقاض الآخرين وإثبات أن الآخرين لا يفقهون شيء.. وأنه هو وحده العارف والنبيه والذكي..

يزعم أنه هو الشخص الوحيد العملي والشاطر والسريع وغيره صاحب قلب بارد، أو هو المتزن والهادىء وغيره الأهوج المتسرع..، وشعار خالف تعرف مطروح دائما بهدف البروز والظهور ولو على اللاشيء..

وتظهر ظاهرة إدعاء الفهم وحب الظهور والبروز، في كل الحلقات المجتمعية، في المنزل بين الأخوة، في الحي بين الجيران، في المؤسسات بين الموظفين، وبين أصحاب المهن والمحلات، في المسجد بين المصلين، لا بل بين المشايخ والمدرسين، والقادة العسكريين والمعارضين السياسين..

وهنا يبرز التساؤل عن أسباب هذه الظاهرة؟

هل هي بسبب شعور الشخص بالحاجة للاحترام والذي فقده نتيجة لأشخاص آخرين كان عندهم نفس الظاهرة؟

هل هي بسبب ثقافة القمع وغياب الحريات والتي عشناها لفترات طويلة؟

هل بسبب انعدام ثقافة الحوار واحترام رأي الآخر؟

هل بسبب غياب أهل الاختصاص عن اختصاصاتهم، أم بسبب قسوة الحياة التي جعلت منا قساة مع بعضنا البعض؟

هل هذه الظاهرة موجودة عند الجاهلين فقط أم هي عند أصحاب العلم أشد ظهورا؟

ولعل ما ذكرت من أسباب متعددة قد يكون عكسها أو حلها هو العلاج لهذه المشكلة..

وبعد قراءتكم لهذه المقالة الطويلة، أرجو أن لا تظنوا بأني كتبتها لأني “بدي أعمل حالي فهمان”..

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version