حرب اللاجئين الخاصة

مع كل خضّة تعتري أمتنا العربية (ثقافية، اجتماعية، سياسية) تأتي مواقع التواصل الاجتماعي لتكشف لنا عن زيف معتقداتنا، وتناقضنا الفاضح.

اعتدنا من مواطننا العربي انتظاره بشوق للمخلّص، سواء إن كان نتيجة لمعتقد ديني أو إيديولوجية سياسية، أو حتى كأمل جماهيري تحاول شعوبنا المضطهدة التنفيس به عمّا يعتريها.

يُقدّم لنا النموذج السوري مثالاً واضحاً لما تعانيه أمتنا من تخبّط، ولحاجتها الماسّة لترتيب أوراقها والنظر بروية إلى الداخل، إلى الذات.

أفهم أن البعض يرى بوحش روسيا بوتين مسيحه المخلّص، وأن الطرف الآخر يرى بمجنون أمريكا منقذه، وما بين هذا وذاك، تتوزع الولاءات بتوزع الآمال، فمنهم من يرى أردوغان أسداً للسنة، ومنهم من تجلبب بملالي إيران مرجعية وحيدة.

أفهم تخبّط المجتمع السوري بعد سنين الحرب الطويلة، وأحترم قدر المعاناة والألم، وفداحة الخسائر والفقد الكبير، إلا أن ما لم أفهمه هو كمية النقد والنصائح الخلّبية التي وجهها العرب لأخوتهم السوريين.

فجأة، تحوّل العرب، كلّ العرب، لملائكة وخبراء حرب وسلم، وبدأوا باللّوم والعتاب وتوجيه النصائح المجانية لأولئك الذين سحقتهم الحرب والفقد والجوع والحصار وعشرات أنواع الأسلحة وعشرات الأطراف التي قامت باستخدمها.

المدهش بإخوتنا العرب، أنهم مقتنعون جدّاً بخصوصية وفرادة أوضاع أقطارهم، والحالة الحرجة التي تمر بها المنطقة ككل، ويُصرّحون بضرورة احترام تلك الخصوصية من الآخرين، وعدم التدخل في شؤونهم.

أمّا في ما يخص الأزمة السورية، فلطالما كان اللاجئون الفارون بأرواحهم من جحيم الحرب، محلاً للسخرية، وأكثر الأطراف التي يقع عليها اللوم والتقريع.

طبعاً أخوتنا العرب الذين يلومون اللاجئين، يطلبون منهم بكل صراحة البقاء في منازلهم والقتال.

هكذا، وبدون أيّ وخزة من ضميرنا العربي المعطّل، نطلب من مدنيين فرّوا بأرواحهم فقط، أن يبقوا ليتحولوا إما لقاتل أو مقتول.

يُطلّ أخوتنا العرب علينا ليتألموا لسقوط بغداد، ويتناسون أن جيوشهم التي يعظمونها قد شاركت بإسقاط بغداد.

يندبون ضياع فلسطين، ويتناسون أن حكامهم الأشاوس هم من باع فلسطين بأقل الأثمان.

يلوم أخوتنا العرب، الفارين من الحرب السورية، ويصفوهم بأقذر العبارات، وكأنهم ما كفاهم ما يعاينوه من تدمير لبلدهم بعد أن دُمّرت بيوتهم وحياتهم.

فجأة، يتناسى المُنظّرون العرب الأعداد الهائلة من مواطنيهم الملتحقين بجبهات القتال، والمتوزعين على كل أطراف الصراع، والموغلين حقاً وجداً في دماء السوريين.

يريد أصحابنا من اللاجئين أن يعودوا ليحاربوا صواريخ ترامب. وكأنه لم يكن أبداً من وجود لصواريخ عربية قد سبقت صواريخ ترامب وقتلت سوريين.

فجأة تعود القومية العربية لتستيقظ بعد سبات سنين طويلة، ذاقت خلالها سورية، أرضاً وشعباً، ما لم ينله أحد من قبل.

لنكن واقعيين ونقول أن العالم كله يتصارع في سورية، وأن من فرّ أو حتى من بقي، هم أضعف حلقات الأزمة.

لكم أن تكرهوا أمريكا أو روسيا، حاربوا التدخل التركي والإيراني والسعودي والقطري، لوموا فصائل القتل المنتشرة في كل حيّ وقرية سورية، أحبوا من شئتم وأدعموا من شئتم، ولكن أتركوا للاجئين بعضاً من آدميتكم، بعضاً من تعاطفكم، بعضاً من تفهّمكم لمرءٍ فرّ من حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.

يكفي من فرّ كمية ما خسره، ولا تجعلوه يخسر إيمانه بإنسانية العرب على الأقل.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version