يحظى حفل الولاء السنوي برمزية استثنائية لدى النظام المغربي الذي يصر على التشبث به رغم النقد اللاذع الذي تعرض له بسببه لا سيما بعد هبوب عاصفة الحراك العشريني العاتية التي خيل للكثيرين أنها ستأتي على هذا الحفل وتجعله في خبر كان.
فقد اتسعت آنذاك موجة الرفض له بشكل غير مسبوق، حتى اقتحمت دار المخزن نفسه لنشهد لأول مرة نقاشا علنيا حول الموضوع في إعلامه بين مؤيد ومعارض، لدرجة تجرأ معها عدد من القيادات الحزبية الرسمية على مشاركة الجماهير الغاضبة في مطلب الدعوة إلى إلغائه.
ومع كل هذا فقد أبقى المخزن على حفل الولاء بكافة تفاصيله في تحد سافر للإرادة الشعبية وهو ما يعده البعض أمرا بالغ الغرابة، فحتى الذين لم تنطل عليهم مناورة المخزن بعد 9 مارس لا يفهم أكثرهم عناده في هذا الموضوع.
فيبدو، حسب تقديرهم، أن النظام المغربي قد ضيع على نفسه فرصة ذهبية لتلميع صورته والإيحاء بانسلاخه عن جلده وتغييره لطابعه الاستبدادي القروني وكان سيجد من يسوق له هذه الخطوة حتى ولو لم تتبعها تغييرات حقيقية عميقة.
حفل الولاء والبيعة أكبر من مجرد طقلس فلكلوري
الحقيقة أن حفل الولاء أكبر من مجرد بروتوكول أو طقس فلكلوري، ولو لم يكن كذلك لما استعصى كل هذا الاستعصاء.
حفل الولاء والبيعة يُعبر أدق تعبير عن طبيعة العلاقة التي يريدها الحاكم أن تظل قائمة بينه ومفوضيه ومن خلفهم العامة، والتي ينبغي أن يحكمها الإذعان المطلق له، فهم بمكانة العبد الذي لا يملك حولا ولا قوة والذي لا يملك غير طاعة ولي نعمته والمتفضل عليه في كل شيء.
لا ينبغي الاستهانة بهذا الاستعراض المثير للاشمئزاز، فالتعود على مظاهر الإذلال وتكريس ذلك في احتفال سنوي يحطم كبرياء المشاركين فيه.
فلا يمكن لمن قبل على نفسه ممارسة طقوس العبودية تلك أن يحتفظ بذرة من الكرامة والأنفة وعزة النفس وأنى له بعد ذلك أن يكون حرا نزيها في قراراته فأقصى ما يملكه أن ينفذ الإملاءات بحذافيرها وأن يجتهد في إرضاء من هم فوقه.
كما أن هاته الممارسات تنعكس بالضرورة على سلوكهم في مراكز نفوذهم حيث يستعار منها باعتبارها نموذجا ملهما.
كذلك فإن عامة المواطنين حين يشاهدون منتخبيهم ووجهائهم ومن يتحكم فيهم وفي مصالحهم محليا بهذا المستوى من الخضوع ومن الانسحاق تزداد رهبتهم لهذا الكيان الأسطوري الذي يكتم على أنفاسهم ولا يملكون إلا الانقياد المطلق له.
وهكذا يسود النموذج السلطاني الطاغي الذي يعم سائر المؤسسات والإدارات العمومية وجل مناحي حياة المواطن المغربي.
والذي يقف صدا منيعا يحول دون تغيير بنية النظام ويجعل من الحريات والحقوق ومن الكرامة والعدالة الاجتماعية قيما طارئة عصية على الإدماج في البيئة المخزنية.
مما يحبط في النهاية أية مبادرة إصلاحية ترتكز على هذه المبادئ والتي تستخدم فقط كشعارات للاستهلاك الخارجي فيما يحتفظ بجوهره محصنا من أي مؤثرات.
هل آن الأوان لإلغاء حفل الولاء والبيعة؟
لا شك أن وسائل إخضاع الشعوب عديدة، فحتى عتاة الطغاة ليسوا مضطرين لهذه الممارسات الفضائحية البدائية حتى يتم تطويع محكومهم.
لكن العقلية السائدة عند حراس المعبد المخزني تدفع في اتجاه استثمار حمولة المخزن التاريخية المتجذرة في الوعي الجمعي للمغاربة بمثل حفل الولاء ..
فهم لا يريدون أن يظهروا القطيعة مع الماضي حتى لا ينسى المغاربة من يحكمهم وحتى لا يغريهم الخطاب المنمق فيتجاوزوا الحدود المرسومة لهم.
وبما أن النظام الحاكم هش فلا بد له من إصباغ هالة قدسية على رموزه حتى يظهروا بمظهر مختلف عن عامة المغاربة كي يظل الحاجز النفسي قائما يدفع عنهم المساءلة والمحاسبة.
وهو كذلك إشباع لنزعتهم الفرعونية التي توهمهم بالخلود وبأنهم آلهة تزهو نفوسهم لمشاهد الراكعين والمسبحين باسمهم.
حفل الولاء هذا أيقونة النظام الذي سيستميت في الحفاظ عليه ولا يتوقع أن يتم إلغاؤه إلا في حالة واحدة إذا استلم الشعب زمام أمره وجرف كل مسلمات وأعراف المخزن البالية جملة واحدة حتى لا يبقى منها أثرا.
حينئذ يمكن أن يختفي هذا الطقس وغيره من الطقوس الحاطة بكرامة أي مغربي ومغربية.