حِينَمَا يُغَادِرُكَ الشَّغَفُ!..

عِنْدَمَا تَصِلُ بِكَ الحَيَاةُ إِلَى أُخُرِ مَحَطَّاتِ الخِذْلَانِ وَالآلم، سَتُحَاوِلُ الوُقُوفَ وَسَتَقِفُ.. سَتُقَاوِمُ وَسَتُحَارِبُ لِتَقْوَى وَتستقوي بِكَ لَا بِسِوَاكٍ، هَذِهِ المَرَّةَ لَنْ تَعْتَمِدُ عَلَى الغَيْرِ..

لَا صَدِيقَ وَقْتٌ ضَيِّقٌ وَلَّا حَبِيبُ يُقَوِّي شَرْيَانَ قَلْبِكِ، لَنْ تَسْتَعِينُ بِأَحَدِ لِتَنْهَضَ، لَنْ تُفَكِّرُ حَتَّى فِي ذَلِكَ، لِأَنَّكَ مَعَ تَجَارِبِ الحَيَاةِ وَمَعَ كُلٍّ مَا مَرَّرَتْ بِهِ تَعَلَّمَتْ أَنَّ كُلَّ نُهُوضٍ عَلَى ظَهْرٍ آخَّرَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ سَيُؤَدِّي بِكَ إِلَى سُقُوطٍ عَاجِلًا أَمْ أَجَلًا..

فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ الأَمْرُ مُخْتَلِفٌ جِدًّا، سَتَحْتَفِلُ بِنَفْسِكِ لِوَحْدِكِ وَسَتُصَيِّحُ أَنَّكِ تَخَطَّيْتَ جَمِيعَ العِقَابَاتِ وَأَنَّكِ هَزَمْتِ الحَيَاةَ وَنرجسِيَّتَهَا وَمبدأ البَقَاءِ للأقوى وَلَا قَوِيٌّ سِوَاهَا..

حَتَّى أَنَّكَ سَتَقْتَنِعُ بِأَنَّكَ النَّاجِي الوَحِيدُ مِنْ مَرْحَلَةٍ غَادَرَهَا الجَمِيعُ فَاشِلًا منهزما نَاكِسَا رَأْسُهِ فِي أُغَمِّسُ قَدَمَيْهُ..

سَتَتَأَمَّلُ بِذَاتِكَ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّكِ سَتَعِيشُ اللَّحْظَةَ وَسَتَرَى لِنَفْسِكَ نَظْرَةُ بَطَلِ زَمَانِهِ وَلَكِنَّ لِلأَسَفِ لَا يَلْبَثُ ذَلِكَ الإِحْسَاسُ طَوِيلًا حَتَّى تَجِدُ أَنْ ظَنَّكَ بِكَ قَدْ خَابَ وَذَلِكَ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مِنْ الزَّمَنِ أَوْ رُبَّمَا سِنُونَ طَوِيلَةٌ، كُلٌّ مِنَّا حَسَبَ قُدْرَتِهِ الإستعابية..

سَتَدْرِي بِبُطْءٍ شَدِيدٍ أَنَّكِ لَمْ تَنْجِي مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ، أَوْ عَلَى الأَقَلِّ لَمْ تَكُنْ بِلَا خَسَائِرَ، ستتآلم رُوَيْدَا رُوَيْدًا عِنْدَ مَعْرِفَتِكَ بِكَمِّيَّةِ الخَسَائِرِ وَالأثمنة الَّتِي دَفَعَتْهَا بِدُونِ شُعُورٍ لِتَتَخَطَّى تِلْكَ المَرْحَلَةَ، الأَتْعَسُ هو أَنَّ ثِقَتَكَ حِينُهَا بِنَفْسِكِ لَمْ تَكُنْ لَهَا حُدُودٌ، وَبَعْدَ اِكْتِشَافِكَ لِحَقِيقَةِ الأُمُورِ سَتُصْبِحُ مُنْعَدِمَةٌ الوُجُودِ…

سَيَكُونُ الثَّمَنُ غَالِيًا عَلَيْكَ يَا عَزِيزِي، سَتُحَيَّا نَعَمْ، سَتُحَارِبُ وَسَتَنْهَضُ وَكُلُّ شَيْءٍ.. لَكِنَّكِ وَمَعَ ذَلِكَ سَتَكُونُ فِي عَدَّادِ المَفْقُودِينَ، الَّذِينَ فَقِدُوا وَفَقَدُوا كُلَّ شَيْءٍ..

وَأَضْرَبَ مَثَلًا عَلَى ذَلِكَ بتجرتي، أَنَا لَمْ أَفْقَد شَيْء ذُو قَيِّمَةً، هو شَيْءٌ وَاحِدٌ ضَاعَ مِنِّي وَلَمْ يُعِدْ، ضَاعَ وَأَنَا أُحَاوِلُ إِمْسَاكَ كُلُّ شَيْءٍ، فَقُدْتُهُ بِزَحْمَةِ الأَحْلَامِ المُحَطِّمَةِ وَشِبْهُ المُسْتَحِيلَةِ، فَقُدْتُهُ بِجَبَرُوتِ الحَيَاةِ وَأَنَانِيَّتِهَا عَلَى كُلٍّ مَنْ قَرَّرَ المُوَاجَهَةَ..

فَقَدَتْ شَيْء لَا يَلْمُسُ وَلَا يُحِسُّ بِهِ حَتَّى، لَهُ تَدْخُلُ بِكُلِّ شُعُورٍ وَلَا نَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِن مِنْ دُونِِهُ، لَا فَرَح بِدُونِهُ وَلَا سَعَادَةً تَتَحَقَّقُ سِوَاهُ.. حَتَّى أَنَّهُ لَا طعْمٌ لَا لِلحُزْنِ وَلَا لِلوَجَعِ فِي غِيَابِهِ، بِدُونِهُ تُفْقِدُ شُعُورٍ بِالحَيَاةِ، أَنْتَ أَمَامَهِمْ  حَيٍّ تَرْزُقُ وَأَمَامَ نَفْسِكِ قَدْ غَادَرْتَ مَعَ مَنْ غَدَرُوا وَخَانُوا وَخَذَّلُوا..

أَنْتَ مَعَ مَنْ ذَهَبُوا بِلَا عَوْدَةٍ، أَنْتِ لَازَلَتْ بِالمَاضِي وَالذِّكْرَيَاتِ سَوَاءً المَلِيئَةَ بِالسَّعَادَةِ أَوْ العَكْسُ، المُهِمُّ أَنَّكَ لَسْتَ حَاضِرًا لَا رُوحًا وَلَا جَسَدًا، عَيْنَاكَ يَرَاهُا الجَمِيعُ وَلَكن لا أحد يُعْلِمَ  أَيْنَ تَنْظُرُ وَمَاذَا تَرَى!..

بِبَسَاطَةِ تَفَقُّدِ كُلٌّ مَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تَظُنَّ يَوْمًا مَا أَنَّكَ سَتُفْقِدُهُ ولو حتى بِالمَوْتِ، تَفْقِدُ سَبِّبْ الحَيَاةَ.. تَفْقِدُ الشُّغُفُ!

حَيِّنَما  يُغَادِرُ هَذَا الأَخِيرَ حَيَاتُكِ، تَأَكُّدٌ أَنَّكَ قَدْ غَادَرْتَ الدنياَ بِلَا عِلْمِ وَلَا دِرَايَةً والأسوء أنك لا تدري حتى بِخُطُورَةِ الوَضْعِ الَّتِي تُقْبَعُ بِهِ..

لذلك َدَعَنِي أُخْبِرُكَ بِنَصِيحَةٍ حِينَمَا يُغَادِرُكَ لَا تُقَاوِمُ، اِعْتَرَفَ بِذَلِكَ ولَا تُنْكِرُ، نُكْرَانُكَ لِلوَضْعِ سَيُخْطَأُ التَّشْخِيصَ وَلَنْ يُعَالِجُكَ، إِخْفَاءُ الحَقِيقَةِ لا يغيرها، فلتعلم أن ِمَّا أَصَابَكَ يُؤْلِمُ قَلِيلًا وَأَعْرَاضُهُ تُصِيبُكِ بِالهَلْوَسَةِ وَالجُنُونِ..

لَا أَمْزَحُ صدقني ومثالا على ذلك أَنْك ستَرَى كُلُّ أَحْلَامِكِ محققة وَكُلُّ مَا سَعَيْتَ إِلَيْهُ كَائِنٌ عَلَى أَرْضِ الوَاقِعِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنَالَ مِنْكَ ذَلِكَ حَتَّى اِبْتِسَامَةٍ فَرِحَةٌ، مَثَل صَعْقًة كهرباء ضَرَبَتْ كُلُّ عُضْوٍ بِكَ، وَسَيَحْدُثُ لَكَ اِضْطِرَابًا عَقْلِيًّا وَسَتَقِفُ مَكْتُوفَ الأَيْدِي وَأَنْتَ لَا تَفْهَمُ مَا يَحْدُثُ لَكَ وَلِقَلْبِكَ ذاك بِالخُصُوصِ، الَّذِي كَانَ يَرْجُو أَنْ يَذُوقَ طِعْمٌ الحُبِّ وَالآنَ أَصْبِحْ لَا يكثرت بِشَيْءٍ..

عَنْ ذَاكَ القَلْبِ الَّذِي خَذَّلَهُ الجَمِيعُ ولازَالَ صَامَدَا وَطِيبًا مُحِبًّا، فَأُصْبِحْ بِلَا إِحْسَاسٍ حَجَرًا قَاسِيًا، مَهْمَا غَادَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يَعُدْ يَبْكِي خَلْفَهِمْ، وَمَهْمَا كَانَ قُرْبَهِمْ مِنْهُ، أَصْبَحَ يُوَصِّلُهُمْ إِلَى غَايَةِ البَابِ وَيُودِعُهُمْ بِغُرُورِ الاِكْتِفَاءِ…

فَإِنْ سَأَلْتُمْ اللهَ شَيْء، اِسْأَلُوهُ نِعْمَةَ الشُّغُفِ؛ زَوَالُهَا يُزِيلُكُمْ وَيَجْعَلُكُمْ تَرْحَلُونَ بِلَا عَوْدَةٍ.. فَلَا حُبَّ يُحَيِّ وَلَا حُزْنَ يُمِيتُ حِينَهَا.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version