3 جوان/يونيو هو تاريخ ربما لم ولن يمحى من الذاكرة التونسية، ذكرى الاستقلال الداخلي الذي تم إمضاؤه في مثل هذا التاريخ من سنة 1955، ليمثل منعرجًا في مسيرة الحركة الوطنية ومازالت هذه الذكرى محل استفهام وقد يغيب على شق كبير من التونسيين مجريات إمضاء تلك الاتفاقية العامة..
فمنها انشقت الحركة الوطنية، بين بورقيبة الذي كان داعما لتلك الاتفاقية وما تبعها من بروتوكولات (الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة الذي عاد إلى تونس بتاريخ 1 جوان 1955 مرفوعًا على الأعناق والحزب الشيوعي والاتحاد العام التونسي للشغل الذي دعم بورقيبة لاحقًا في مؤتمر صفاقس في نوفمبر 1955). ويوسفي الذي كان معارض لها (الأمين العام للحزب صالح بن يوسف ولجنة صوت الطالب الزيتوني وقيادة الاتحاد العام للفلاحة التونسية)، ومازلنا إلى اليوم نعاني آثار وتداعيات ذلك الصدام الموجع للحركة الوطنية.
ومن هناك بدأت الأزمة بما يسمى “الاتفاقية العامة بين فرنسا وتونس” إضافة كما ذكرت لبروتوكولات إضافية لتنظيم العلاقات في عديد المجالات والميادين. وقد وقع إمضاء تلك الوثيقة يوم 3 جوان ولكن لم يقع نشرها بالرائد الرسمي إلا في شهر سبتمبر علماً وأن قرابة 90 صفحة من ملاحق اتفاقية الاستقلال الداخلي لم تنسر بالرائد الرسمي وقليل من يعرف فحواها، وساهم هذا التأخير في تفاقم الأزمة بين أطراف الحركة الوطنية ومن مضامين تلك الاتفاقيات أنها تركت هياكل عديدة بيد المستعمر الفرنسي من ذلك الدفاع والشؤون الخارجية، وأكّدت على تواصل التواجد العسكري بتونس وبالخصوص في بنزرت والجنوب والمناطق الحدودية مع الجزائر وليبيا.
وهذا ما مثل ضربا للسيادة التونسية في ذلك الوقت، هذا وقد أبقت على حق المعمرين في امتلاك الأراضي التونسية، سمحت للفرنسيين بالحفاظ على نظامهم القضائي.
وحسب الفصل السابع من الأحكام العامة للاتفاقيات الذي جاء في مضمونه أن اللغة الفرنسية ليست لغة أجنبية. ونصت على وجود “مندوب سامي للحكومة الفرنسية” يمارس الصلاحيات الممنوحة للفرنسيين.
وزد على ذلك فقد تعهدت الدولة التونسية للمحتل الفرنسي في تلك الاتفاقيات بأن لا تؤمم الثروات النفطية والاستخراجية وهو ما نعاني نتاجه اليوم؛ حيث تعجز أي حكومة على أن تبطل نشاط تلك الشركات الفرنسية لاستغلال وتصدير الملح..
ومن هناك حلت الكارثة ففي مؤتمر صفاقس نهاية 1955 كانت البداية لصراع واضح وملاحقات لمناصرين بن يوسف الذي اُغتيل على يد أحد مساعدي بورقيبة في أحد نزل ألمانيا عام 1961.
وها نحن اليوم مازلنا نعاني تداعيات ذلك الصراع الذي ضرب أطراف الحركة الوطنية وتجسّد في أبشع صور الانتهاكات التي مارستها الدولة في ذلك الوقت، وهذا ما جعل المجتمع التونسي اليوم يسعى إلى محاولة تضميد هذا الجرح العميق وترك تلك الصدامات والصراعات من المتروكات والمنسيات وإنشاء مصالحة وطنية شاملة وهو ما تمظهر في صورة أولى في اختيار تاريخ تعهد الهيئة الوطنية للحقيقة والكرامة بداية من غرة جوان 1955.