الخوف أو الفوبيا (phobia) أمر شائع وناصع وغير قابل للتأخير أو الإقصاء، لطالما كان من أهم العوامل التي تجعل الحياة أمرا قابلا للتأثير والتأثر، لطالما جعل الفرد الإنساني ضمن القوائم التي تضمّ العواطف والأحاسيس، لهذا السبب بالذات لازم الإنسان (human)، وشكّل جزء من مخيلته الوجودية الصلبة.
الخوف يتحول إلى رفيق
لا يوجد قرصان في هذه الدنيا لا يخاف، لأن حياته مبنية على قاعدة متحركة، ومن عادة البشر أنهم يهابون المجهول، والمتحرك هو البيئة الجميلة والولاّدَة لكل المجاهيل، فيكفيكَ الصعود على ظهر أيّ سفينةٍ، مهما كان نوعها، حتى ولو كانت الأفخم في العالم، لتشهد حركتها المستمرة على أمواج البحار، لقد رافق الخوف القراصنة فردا، فردا ولا يزال، هو صديقهم الوفيُّ دائما، لأنهم يخافون من كل شيء، العتيق والجديد، الجميل والمبيد، الراحل والآتي “حتى ولو كان مفيد”.
يخاف القرصان من أسرته، فالثقة مفقودة بين أفرادها، ليحلّ محلها الحذر من الغدر المألوف بين أوساطهم، يخاف حد الرعب في الكثير من الأوقات، يخاف بشكل يجعله يبدد أيامه في الحذر والترصد، ليتحول إلى هوس يخنقه كلما اقترب أحد المقربين منه، لتهاجمه أسئلة كثيرة ومختلفة تصب في معنى: ماذا يحدث؟
يخاف من المستشفى، لرداءة الخدمة فيه، وهو الذي يطالب بابتعاد المرض عنه، حتى ولو كان هذا الطلب منافيا للمكانة والطبيعة البشرية، لأن طبيب القراصنة هم في الأصل مصلِحُ أجسامٍ فقط، يطلب الأجر ومستحقات الأتعاب قبل الخوض في الأعمال والرعاية بالمرضى عبر تقديم الخدمات.
يخاف القرصان وهو صغير من معلمه الذي يلتقيه في أوّل تجربة له مع الدراسة والمدرسة، ولطالما شكّلت أسئلة المعلّم لغة وعيد وتهديد تخالف الإنسان الناعم، وهي التي تهاجم براءته بشكل عنيف جدا، فتفرّق بين الإنسان والقرصان، لهذا تجد الفتيان من القراصنة يعشقون الجهل والجاهلين بدل اهتمامهم بالعِلم وأهله.
يخاف القرصان من الإدارة، المجتمع، الدين والثقافات، فتراه خائفا من الحياة، خائفا من الممات، وهنا مربض ومرابط كل فرس تولد على تراب أراضي القراصنة، إنه خوفها الأبديّ الأزليّ الذي يهدد الوجود والمعيش معا، إذ لطالما تصرف القرصان من صغره وحتى فنائه انطلاقا من افتراض وجود خطر يهدد مساره وكل جميل يحلم به، ومن هنا يخرج كل قبيح، كل مغامر وكل هفوة تتحول إلى نخوة انتقام تسكّن آلام القرصان الذي هو في حقيقته إنسان ناقم!
أعذروا قرصان روح اعتل
دائما كان العِلم يؤكد على المنهج والنتائج عبر الصرامة المحتومة كأدوات تعصم العقل عن الزلل والخطأ، فكانت صرخة أرسطو الأولى ونكبة ابن رشد الأخيرة بعدها ولدت موجةٌ لتعتلي كافة موبقات العقول قوائم ديكارت وابن الهيثم، لنشهد شفاعة ابن سينا عندما تحالف مع اسبينوزا العجوز، لكن الفيلسوف أو العالِم بقي بعيدا عن القراصنة وأرضهم حتى وُلِد محمد أركون، وقاسم نايت بلقاسم.
دائما كانت النتائج عبارة عن خلاصات لمقدمات تسللت عبر سلاسل منطقية من أعلى هرم الذات حتى أخمص أصابع الفتات، وعلى كل قرصان الخضوع للعملية نفسها بلا شروط أو قيود، إذ عِلم العمران يقرّ بأن الإنسان ابنٌ لبيئته، فماذا تنتظر من أرض القراصنة سوى انجاب شعب من القراصنة؟
من شروط القبول على ظهر سفينة القراصنة أن تكون ذا عين واحدة لا تخطئ فروج الزانيات أو الحرف الخامس عشر من حروف الرومان الموشومة على أجسامهنّ البالية المرقعة، عليكَ أن تحمل قلبا مثل قلوب الأشجار اليابسة التي تنتظر النيران، أو قلبا كمن يصارع وسط الحلبة الثيران، أو كمن يعيش بين المجاري مع الجرذان.
عليكـَ ..
- أن تتمرد وتتمادى، وتحرق الأرواح بنهم وبلا خوف من الخوف.
- أن تهوى الغرق بين أمواج الملذات والشهوات بلا عتاب أو عقاب.
- أن تكون كل البشر إلاّ أنت
القرصان هو نتيجة الظلم المسلّط عليه منذ الصغر، لا أحد منا يولد بالشر المتوهج الذي لا يهاب الخروج إلى العلن، إذ تتم رعاية هذا الشر بواسطة القهر والحرمان، ليصبح من أهم العوامل التي تحوّل بني البشر إلى وحوش، تعيش بين الأمواج السوداء، حاملة لرايات سود، وراغبة في الغنائم والفرائس على حدّ السواء.