دانيال لاجاش وأقواس النفساني

دانيال لاجاش (3 ديسمبر 1903- 3 ديسمبر 1972) كان طبيبًا ومحللًا نفسيًا فرنسيًا وأستاذًا في جامعة السوربون (بالفرنسية: Sorbonne)‏

ولد وتوفي في باريس.

يُعد دانيال لاجاش أحد أبرز الشخصيات في التحليل النفسي في القرن العشرين.


يتصوّر الكثير من الباحثين والعلماء الذين يحاولون فكّ ألغاز الإنسان على أن الفرد الإنساني عمق تتخلله الكثير من التحوّلات الغرائزية المطردة، يحكمها تارة العقل، وتارة أخرى الضمير، بينما في أحيان لا بأس بها تبقى سجينة التفكير أو العشوائية من اللا-تعيين.

ومن هذا المبدأ بالذات والصفات، يستعجل بعض علماء النفس تشخيص مصائب الإنسان، فيضعون كلّ بيضاتهم في سلّة الانجراف نحو الحيوانية، معتمدين على مراقبة ما يصدر عن العيِّنة التي هي قيد الدراسة، فيلاحظون تصرفاتها من أجل استنتاج تفسيرات وتأويلات من شأنها رسم مخطط عام لهذه الشخصية أو تلك..

حيث يقول دانيال لاجاش في هذه النقطة بالتحديد: “مِنَ الواضح أنّ علم النفس الكلينيكي يقوم على ملاحظة السلوك ونتاجات السلوك، وحتى الشعور نفسه يستحيل فهمه من الناحية البيولوجية إلاَّ أنّه سلوك أو خاصية من خصائص السلوك”.

هكذا يعود هذا المحلل النفساني الفرنسي دانيال لاجاش إلى السلوك كمعيار لكافة الوحدات الجسمانية للإنسان، معتمدا على الكثير من الأبحاث في هذا المجال، بحيث يصبح السلوك أو المزاج الشامل للأفراد ضمن المنظومة الجماعية أو للفرد ضمن نطاقه الضيق، عبارة عن إصدارات أو ارتدادات لإصدارات يستجيب وفقها الإنسان عبر قوانين مضبوطة ومرصودة بشكل دقيق، بواسطة حزمة من التفاعلات التي تنتج خليطا من المشاعر والاستعارات.

مِن ملاحظتي لأطفال المدارس بمختلف الأعمار، أجد بأنّ هذا الفرنسي دانيال لاجاش قد أصاب بسهم ملاحظته وبدقة منقطعة النظير مشكلة رصد الكامِن الخفي من الإنسان، عبر تحليل وتأويل الظاهر منه.

لا يمكننا قراءة القلوب سوى إن كانت ردود الأفعال لها دلالات غير متوقَّعَة، ولا يمكننا أيضا الاستشراف سوى إن ما تمّت عمليات تحليل ومسح ما مضى من حركات وسكنات بطريقة شاملة وموثقة..

بل إنّ استحالة قراءة الإنسان هي غير معربة إن ما يزال هذا البشري يطلق الكثير من الكلمات ويحدث آثارا لا حصر لها بالقدرات العادية للجسم البشري ذاته.

بواسطة الأيدونات المختلفة، وبخاصية التفريغ العاجل لكل ما هو هامشي، يتمكن عالِم النفس المعاصر من الكشف عن محتويات غريبة في العينة الجالسة أمامه عبر مقاييس الربط والتغلغل، وهي عبارة عن طريقة استعملها الجيش الأحمر خلال فترة ستالين، في مواجهة المخططات الغربية السرية، وقد تطوّرت بشكل يفوق التصوُّر لتصبح متداولة مع الارتباط العالمي غير المسبوق عبر الشبكات المتنوعة والخاصة بالتفاعل والتواصل معًا.

دانيال لاجاش والنفس البشرية

لم يعد عالِم النفس المعاصر يحتاج إلى العينة ذاتها لتجلس بجانبه فيرصد استجاباتها بالاعتماد على المؤثرات المختلفة التي يلقيها عليها، بل صارت العينة الغائبة هي التي تكشف للعالَم والعالِم معًا عن خلجاتها وفق ما تكتبه أو تشاركه عبر المواقع الالكترونية المختلفة.

لقد صار الإنسان يكشف بكامل إرادته لكافة الفئات من الجماهير الكبيرة عبر أزرار ضوئية عن أحزانه وأفراحه، عن نظراته وأعماقه.

لقد تحوّل السلوك من الخلايا البشرية إلى الإلكترونات الكهربائية، بل إنّ الإنسان قد تحوّل من الطبيعة إلى الخوارزميات عبر بث مستمر لمستوراته، من أجل المفاخرة بها.

الأنانية لم تعد عيبا يتوجب إخفاؤه، بل صارت ثقة بالنفس تكشف عن توحش الذات، ولم يعد الإنسان بحاجة إلى السموم أو الأسلحة على اختلافها من أجل الانتحار، فهو يقتل جزء منه طوعا كل يوم.

إنّه استبداد الكابلات والشاشات، إنّها رصاصة الرحمة التي أطلقها الفرد الإنساني على رؤوس الطبيعة فلم يبق أمامه سوى رأس الطبيعة البشرية، وَها هو يهدمها دون ارتجاف ولا وجل.

لم تعد الأمّ تحنُّ على أبنائها، ولم يعد الصديق رفيقا..

ولم تبق الأيّام بألوانها الزاهية ومذاقها الممتع، لقد تجلّد البشر، وتجمَّدت الدماء في عروقهم، هُم يصدرون أنينهم كلَّ يوم وكلّ ثانية، ولكن لا أحد يحاول أن ينتزع ذلك الخنجر من الجسد الإنساني المهيب.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version