ربما لم تكن تتصور زهية منصر وهي الصحفية المتخصصة في الشأن الثقافي، أن تتحول لحظات دونتها وعاشتها قبل سنوات خلال مهمة عمل ضمن جولة تطوعية إلى رحلة تُخبرنا فيها عن مشاهد وأماكن من الصحراء الجزائرية الكبرى.
والأكثر من ذلك، لم يكن في حسبانها أن ترشح يومياتها / رحلتها ضمن جائزة محمد ولد الشيخ لنصوص الصحراء بالجزائر، ليكون نصها فائز بالمرتبة الأولى في دورتها الأولى للعام 2019.
الصحراء الجزائرية ملهمة الرحالة والكُتاب
صدرت رحلة زهية منصر عن دار ضمة للنشر والتوزيع – الجزائر، في طبعة أنيقة وجميلة حملت لوحة فنية جمعت ألوان الصحراء ووجه الرحالة الكبير ألبرتو مورافيا الذي خلد عبر نصه رحلته للصحراء منذ قرنين، تحت عنوان: “يوم التقيت ألبرتو مورافيا في الصحراء… وقائع رحلة برية بين العاصمة وتمنراست”..
وخلال سبعة وثمانين (87) صفحة خلدت محطات كانت ولا تزال رئيسية في الصحراء الكبرى الجزائرية، عين الصالح، تيميمون، أدرار، تامنغست، إليزي، الطاسيلي، بشار، غرداية، وغيرها.
لم تكن زهية منصر متكلفة في نصها، وبلغة بسيطة وعادية نقلت ما شاهدته وعاشته خلال رحلة بحافلة تجول فضاء شاسع يحسب بآلاف الكيلمومترات.
فالجزائر أكبر دولة في قارة إفريقيا والتي تتربع على مساحة واحد وأربعين وسبعة مائة وواحد وثمانين وثلاثمائة ألف ومليونين كيلو متر مربع (2.381.741 كم2) تشكل الصحراء وحدها مساحة تفوق اثنان مليون متر مربع، أي فضاء ومساحة هذه التي لا تسرق ألباب كل ما زارها وكتب عنها كل من رآها.
ولا تزال الصحراء تُلهم العشرات من الرحالة والكتاب والشعراء والأدباء ليَألفوا ويُؤلفوا عنها حتى أضحى اليوم في الدراسات الأدبية مجال متخصص للسرد الصحراوي وهو ما أقيم حوله ملتقى وجائزة بالجزائر.
رحلة زهية منصر للجنوب الجزائري
من يعرف الصحفي الجزائري يعرف أسلوبه وطريقة تفكيره نوعا ما، ومن يقرأ الصحف المحلية في الجزائر سيكتشف صورة عن الاهتمام الإعلامي المحلي في الغالب.
وإن كانت في زهية منصر في رحلة تطوعية سياحية لكنها لم تخفي انتباهها لمعاناة الإنسان، معاناة من زاوية خاصة، نظرتها بما يتوفر لها من الحد الأدنى ولا يتوفر للإنسان في الصحراء.
رصدت لنا الكاتبة زهية منصر الفضاء والإنسان بشكل متساو، فبقدر ما وصفت لنا جزء من الجغرافيا والتراث والجمال الذي يفخر به كل جزائري حين كلمنا عن صحراءه الكبرى، نقلت لنا أيضا وفي المقابل الصورة الخفية من يوميات مواطن جزائري في الصحراء…
لن أغوص أكثر لأقول لكم ماذا وجدت طبعا ستفقد كل متعة في السعي لمعرفة ما حوته رحلة زهية منصر “يوم التقيت ألبرتو مورافيا في الصحراء”، لكن تأكد ستكتشف ماذا يعني أن تعيش في الصحراء ولا تملك تغطية كافية للإنترنت التي تربطك بالعالم لتقف عند حدود البداية مع القِدَم.
ستكتشف جانب آخر عن حكاية الهجرة غير الشرعية، عن وجود الأفارقة على الحدود الجزائرية وقبيل ولوج الصحراء الكبرى، عن مناطق الظل والخفاء والظلام لمدن الصحراء التي لا يراه المارون عليها في الصباح والمساء والليل، عن التارقي وحياته وبعض من أسراره، عن التنمية وظروف الحياة المدنية، عن العجز والظلم والمغامرة والمقامرة والمجهول، وعن.. وعن.. وعن..
في صفحات معدودات لا تتجاوز المائة ستجد المتعة بطريقة سهلة وبسيطة، رحلة يمكن أن تطالعها في يوم وليلة، الأكيد أنك لن تتوقف حتى تنتهي لأنك لا تقرأ نصا جاف، بارد ، بل نصا أدبيا جميلا لن يُتعبك بقدر ما يطلعك على واقع جديد ومختلف.
نص يُطلعك على القليل من أسرار ما وراء الرمال والجمال والكثبان والعروق، وراء أجمل غروب وشروق في العالم، وأقدم القصور والوجود الإنساني، وراء أعظم سر في صحراءنا مدينة سيفار هل هي مدينة الجن أم مدينة الفضائيين أم بشريين مسافرين عبر الزمن…
نسير الطريق الذي سلكه ألبرتو مورافيا وخلف نصا، وسلكته أيضا زهية منصر وخلفت هي الأخرى نصا، وستسيره أنت أيضا يوما وقد تخلف لنا نصا وحكاية.
4 تعليقات