رحلــة أنــا

حالياً وبعد أن اكتشفت أنّنا في عصر السُرعة المُتسارِعة حيث -كما يُقال- كلّ شيء يُسيَّر بضغطة زرٍّ، اكتشفتُ أنّ مقولة (كل عُطلة فيها خير) وكذلك مقولة (في التّأني السّلامة وفي العجلة النّدامة) سليمتين وصائبتين، سواء مِن ناحية المبنى أو المعنى، ليس في عصرنا هذا بل في عصور ما قبل التّاريخ، حيث رياضة الماراثون ما قبل الولادة..

حين كُنت مُشاركاً رفقة أكثر مِن 200 مليون شقيقٍ في أكبر تظاهرة رياضية في مجرّة ”الرّحِم”، مِن أجل نيلِ فُرصة أن أكون أوّل مخلوقٍ يَصِل إلى سطح ”البويضة”، وبعد ركضٍ شرسٍ وصِراعٍ دامٍ وصَلتُ إلى كوكب البويضة الموجود في قناة ”فالُوب” بفضلِ سُرعتي الفائقة ونباهتي الحاذقة، وأنا أُحاول أن أكتشِف شكل كوكب البويضة أكُرويٌّ أم مُسطّح؟ وفي غمرة فرحتي بالفوز ولذّتي بالّنصر، ابتلعني الكوكب ورحَل بي إلى فضاءٍ يملؤُه سوادٌ رهيبٌ وغامِض، تاركاً خلفي كل مَن كان يُنافسني مِن إخوتي يواجِه الموت المُحتّم، كأنّها مشاهد نهاية العالم الكُبرى..

عندئذ أدركت متأخراً أنّ التّأني فيه سلامة والعجلة فيها ندامة، كذلك أدركتُ أن كلّ عُطلة فيها خير، فلو أنّي قُمتُ بالتّأني ولم أتعجّل في ركضي لما كُنت اليوم في كوكب ”الأرض”، ولما عِشتُ في جحيمه!!

غضبت غضباً شديداً وأنا أسترجِع ذِكريات تلك الأيام المشؤومة وأنا ألعن لحظةَ اشتراكي في تلك الرياضة الملعُونة، فسارعتُ راكضاً إلى أبي قائلاً له: يا هذا أمِن أجل لحظة ملعونة تُرسِل بي إلى هذه الحياة المنكوبة؟! إن كانت مُتعتك نِعمة فهي بالنسبة لي نِقمة..

نظر مُتمعِنّاً مُطرِقاً رأسَ كأنّه يُفكّر ثُم قال متعِّجباً: وهل أنا مَن أرسلَك؟!

قُلتُ وغضبي يزداد: ومَن غَيرُك؟ لماذا لم تقُم باستئذاني؟

صرخ في وجهي وهو يقُول: عليك اللّعنة، أنا أرسلتُ ثلاثة كتائب جرّارة، كل كتيبة تضُمّ 100 مليون جُنديٍّ، ولم أُرسِلك بمُفردك يا فهيم، وكذلك لم أطلب مِنك أن تتصدّر الجيوش لتدّعي أنّك زعيم..

بصراحة انسحبتُ مِن الخوض في حدِيثه، بعد أن رجعتُ إلى نفسي، وأنا أجرُّ ذيول خيبتي لأنّه مُحِقٌّ في كلامِه، فلو لم أتزعّم القوم، لما كُنتُ هنا أعرِّض نفسي لهذا اللّوم، ولو لم أعجِل راكضاً إلى البُويضة، لما عِشتُ هذه العيشة المريضة..

كُنتُ أسائِل نفسي وألومها، وأنا أحاول التّنصُل يائساً مِن مسؤولية إيجادي في هذا العالَم، وفجأةً سمِعت صوتاً بعيداً كأنّه آتٍ مِن أعماق كياني، مُخترقاً كلّ الحواجز التي تحجُب وجداني، وهو يقول متسائلاً: يا أنتَ، دعكَ مِن الذّي مضى، وفكّر الآن…

هل ستُرسِل ما أرسلَه والِدُك مِن قبل أم لا؟

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version