أغلق صاحبنا على نفسه باب غرفته، جلس أمام المرآة يتفحص هذا الوجه الغريب الذي بات عليه، تلك الهالات السوداء التي تكاد تغطي نصف وجهه، وعظام الوجه البارزة من شدة نحافة الجلد الذي يعلوها، فشلت كل المهدئات ومضادات الاكتئاب في عمل مصالحة مع النوم، ولو لغفوة قليلة، اليوم يكون قد مر عام على وفاة أخيه، حزنه عليه كاد أن يقتله.
هناك فراغات يتركها الراحلون، فراغات لا يمكن لأي شخص آخر أن يملؤها، فالأشخاص كالألوان، إذا رحل عن حياتك اللون الأحمر فقد يهون عليك اللون الأخضر بعض الألم، لكنه مهما كان مخلصًا لن يصبح أحمر في يوم من الأيام.
يتذكر مقولة لكاتبه المفضل أحمد خالد توفيق يقول فيها “كنت أتساءل لماذا يختار الموت أفضل من فينا؟ ولكنني وجدت الإجابة مؤخراً في كلمة أحدهم.. لأنهم نجحوا في الامتحان مبكراً، فلا داعي لوجودهم”.
- الجزائر… دستور وجرعة إصلاح
- عقيدة الفهم عند الفرد الجزائري
- الدولة والكنيسة والعلم في فكر هيغل
- وَهَجُ البِدَاياتِ
- هل انطلقت فعلا مرحلة ما بعد قايد صالح في الجزائر؟
الحياة لغز كبير، يعيش الإنسان منّا طيلة عمره في رحلة بحث وتساؤلات عن جدوى الحياة، قليلون من يعرفوا الإجابة، قليلون من ينجحوا في الاختبار ، وأخيه كان ممن نجحوا واختاره الموت بعناية ودقة.
فجأه رن جرس الشقة فذهب ليفتح الباب، ليرى أمامه أخيه يتزين بجلباب أبيض وعمامة بيضاء مزرقشة، ارتمي بحضنه حتى كاد يخترق ضلوعه، جلسا الاثنان جانبًا فسأله أخيه ماذا بك؟ حزنك عليا يزعجني، لو تعلم حالي لرقصت فرحًا، أنا أعيش أسعد أيامي أما أنتم فتستحقون الرثاء، أنا أعيش في عالم بلا كذب بلا نفاق بلا خداع، أعيش في عالم لا يسكنه إلا الأخيار الأسوياء، نحيبك يفسد عليّ سعادتي، ثم حضنه وغادر البيت.
ابتسم صاحبنا للمرة الأولى منذ عام، فهو لم يرى أخيه سعيدًا هكذا في حياته قط، نام على سريرة وعلى خديه سالت دمعة ممزوجة بابتسامة، وراح يعيد في ذهنه المشهد مرات ومرات حتى هدأت روحه ونام نومة لم يظفر بمثلها منذ عام.