صباحُ الخير يا فيروز ..
صباحكِ وأنتِ ترضعين زياد من نهدكِ المبارك، هذا الطفل الذي سيقلب مسارح لبنان والعالم بمسرحياته وموسيقاه ومزاجه..
زياد الرحباني الذي لحّن سألوني الناس بعمر 15 سنة بينما كان أترابه يركضون في الحارات، ويرمون شاحنة البلدية بالحجارة..
زياد الرحباني الذي قال: أمي مع حسن نصر الله، بس ما تحب تحكي عندها جنون العظمة تريد أن تكون مثالية!
صباحكِ فيروز ، بفستانك الأسود تصدحين في باريس: (ليلي العيون السود بيظّلو يبكوني)..
لا أبكاك حزنٌ ولا مسّك زعل، صباحك وأنتِ مهيبة ومعزولة عن العالم كـ فيروز نادر..
صباحكِ سيدتي (نهاد) في كورال الإذاعة اللبنانية طفلةً ضئيلة برئتي ملاك وحنجرةٍ سماوية..
لا أحد كان يعلم سوى حليم الرومي ومحمد فليفل أنك ستبهرين الدنيا وتنقذينها من تعاستها..
كيف كان العالم سيدري أن بنتاً بزقاق البلاط سترفعُ البلاء عن قلبهِ المليء بالندبات والجراح والحروب..
هذه البنت التي ستغني للحب والسلام، للحجر والطير، للغابة والإنسان، للسماء والأرض، للنهر والساقية، للبحر والعشّاق، للنسّاك والسكارى، للشعراء، للغاوين والمجانين، لكل شيء لكل شيء..
صباحك يا فيروز وأنت تغنيّن يا جارة الوادي، لتموت أمكِ في نفس اليوم، وبكل حزن وألم يلتصقُ موتها بحنجرتكِ العظيمة للأبد كـ التشيلو، لتبدئي بعدها رحلتك نحو قلوب الناس والعباد مع ألحان شابٍ طويل ووسيم، اسمهُ يدّل عليه وعلى تفردّه عاصي الرحباني .. لتتزوجيه بعد ذلك بثلاث سنوات ليجتمع الصوت واللحن تحت سقفٍ واحد..
لتعيش الموسيقى العربية أعظم أيامها وأحلاها، لينتقل اللحن مع الأخوين منصور وعاصي للكونية، وليخرج الصوت من بعلبك وبيروت إلى جينيف وأمستردام ، برلين وموسكو..
صوتكِ يا فيروز الذي هزم حرب لبنان بالسبعينات ومرّغ وجه المآسي، وحملَ قهر الشعراء دونَ تكلفٍ من الأخطل الصغير وأبو نواس إلى ميخائيل نعيمة، نزار قباني، و سعيد عقل..
صوتك يا فيروز المنذور للمقاهي والصباحات..
كنّا قبلك نحدّق ببعض في غضب كأننا داخل سجن، بعدكِ يسعد أيامك، أصبحنا نحّب بعضنا حبّا جمّاً حتى الخال أبو سمير الذي كان يشتم الكل قبل سيجارته يصبحُ وديعا وأنت تغنّين: يا جبل اللي بعيد خلفك حبايبنا..
صباحك يا زهرة المدائن، وأنت تغنين لحبيبك المريض في غيبوبته: سألوني الناس عنك يا حبيبي … كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا..
أغنية لحنّها الابن زياد الرحباني، كتبها الأخ منصور وغنتّها الزوجة فيروز لكن عاصي كان عاصياً للحياة ومات..
صباحكِ أم زياد، لوحّي لنا بيدك لنطمئن وامسحي على قلوبنا تعب السنين، زورينا كل سنة مرة يا طير يا طاير على طراف الدني..
كيفك إنت ملّا إنت!
هذا لأنني حزين يا فيروز حزين جدا..
3 تعليقات