ماذا لو أخبروا الموناليزا مسبقا أن صورتها الهادئة ستصبح أشهر لوحة في العالم، ترى أي وضعية أو حركة فوتوغرافية كانت ستفعلها حينئذ؟ أظنها كانت ستستعير ابتسامة السيلفي المتدرب عليها، وفكاهته المصطنعة، وفرحته المزودة بالنسخ واللصق، فتفقد اللوحة روحها، لتموت بين يدي ليوناردو دافينشي، لأنها تعرت من صدقها.
جميلة هي صور الأمس التي تجمع أجمل لحظات الحياة، مع الأحباب والأصدقاء، فبمجرد رؤيتها بعد زمن تدمع العين ويدق القلب، وتحن الذكرى لهنيهات، تماسك بها الأحبة لتلتقطهم آلة التصوير الصغيرة وهم كثر. فيجلس الطويل، ونحتار أين موقع الممتلئ، فتتزاحم الضحكات، فتنتقل حرارة المشاعر الجياشة إلى تلك الآلة الجامدة.
أما اليوم فالسيلفي له ضحكة، وجلسة وبروتوكول خاص، نغير الملامح لنصبح أجمل ونحذف أصدقاءنا الذين غدوا خصوما من الصورة بتطبيق ونقرة..
وقد نتصنع السعادة أو الحزن بكبسة زر ولا تخلو العبادات من سيلفها الخاص أيضا، فهاجت الأكاذيب ككلب مسعور لا يفرق بين سيده واللص، وافترس السيلفي صدقنا وحل الرياء والافتخار.
أظن أن مجرد تأملك لحظات للموناليزا ستروي لك أن العبرة ليست بالتباهي واختلاس اللقطات والأدوار، ولكن كن أنت وكفى، واحترف البساطة حتى تصدق وفقط..
ليس لنصبح الأشهر بل لنكون أفضل، فالصدق طريق النجاح، وكل تكلف متبجح لا يقودنا إلى شيء، تقولون حتى في أبسطها وهي الصورة، نعم حتى في هذه، فلكل شيء صدقه، وللصورة صدقها، والحياة مجموعة صور لابد لها من الصدق لتكون أروع.