ضغوطات القبيلة بلون اجتماعي

الإنسان الذي يعيش وفق النظام القبَلي هو الفرد الذي يلتزم أو يتم إلزامه بنظامها علنا، وعليه تقع مسؤولية مخالفة هذه التعليمات التي تتخذ صرامة التعاليم أكثر من التعاليم عينها..

هذا الفرد الذي يعيش في قفص كهذا، سيجد نفسه بلا حرية، من حرية الحركة إلى حريات غيرها أهمها حرية العيش بكرامة والتعبير عما يجول بداخله، خاصة في المسائل التي تعتبرها القبيلة مقدّسة، تعارف عليها أفرادها منذ ملايين السنين.

لولا هذا النظام لما صمدت الشعوب البدائية على أرض أفريقيا في وجه الاحتلال الغربي، لهذا اُعتبرت القبيلة وقتها أهم الحماة للنسيج الإنساني وبخاصة لهؤلاء المقهورين، لكن مع انجلاء العسكر الغربي عن الأراضي الأفريقية، لعبت القبيلة دور السجن الثقافي أمام عملية التحوّل من الاستعباد إلى التحرر، وكانت أوّل المصطدمين مع مشاريع ثقافية/اجتماعية على هذه الأراضي من هذا الجزء من العالَم الغريق.

ما ينطبق على القبائل في أفريقيا ينطبق على القبائل العربية، سواء بسواء؛ خاصة من الناحية التقليدية، إذ عمل حرّاس التقاليد المثقوبة والعادات البالية على مواجهة مشاريع تقوية بعد بناء المجتمعات أدوارا مهمّة في إحباط الانتقال من ديكتاتورية زعيم القبيلة إلى ديمقراطية المؤسسات.

حيث لعبت هذه الجماعة من حاشية زعماء القبائل الدور الأساسي في تفكيك هذه المشاريع الواعدة، واستبدالها بصور هلامية منسوخة بطريقة غير دقيقة عن مجالات وأراضي بعيدة عنها، لم تعرف ظروفا كظروف هذه الأقاليم الأفريقية والعربية ولا عاشت المصاعب نفسها أيضا.

لتتحوّل القبيلة إلى عرش يدّعي أنه مجموعة من المواطنين، يحتمون بأفراد أسرهم وعائلاتهم الكبيرة والمتحالفة مع عائلات غيرها، تاركين المجال القانوني المنظّم للعلاقات العامة بعيدا عنهم، يستعملونه عبر تأويلات متعددة وتلاعبات كثيرة، من أجل ترسيخ المبادئ التي كبرت جنبا إلى جنب معهم، في أوساط أوسع، ضمت حرب معلنة منذ الزمن القديم على القبائل المنافسة.

بعض القبائل المهمّة والتي تمكّن زعماؤها من التغلغل في هذه المشاريع الاجتماعية الوهمية، قد تمكنوا من السيطرة على مضامين المخططات التي كفلت تطلعات أبنائها قبل آمال الشعوب، فتجدها تنشر الفساد معطية حق الفيتو لمَن يتقرّب من هذا الزعيم أو ذلك، لهذا انتشر الفساد الأخلاقي قبل الفساد المالي، وراحت كافة الأنظمة التي كانت تدّعي هذه الشعوب بأنّها من انجازات تحررها تنهار واحدا بعد الآخر، في صورة كاريكاتورية لا تنجح في إضحاك أيِّ متأمّل للوضع برمّته.

 لقد غذّت هذه العلاقات المشبوهة بين الفرد وقبيلته من جهة والقبيلة الواحدة وما جاورها من قبائل أخرى نظام التوحش الرأس مالي المنتقل من الديمقراطيات الغربية إلى هذه الفاشيات الأفريقية والعربية، وتعفّنت هذه التوازنات حتى انهار كلّ شيء أمام وجه المتحكّمين فيه، ليجد الإنسان نفسه أمام ناريْن: الانهيار والانحدار.

لا تسامح القبيلة المتمرّد عليها، وفي ظلّ شظايا هذه الانفجارات القبائلية (الاجتماعية)، أصبحت القبائل تعاقب المتمرّدين على أنظمتها بقسوة رهيبة، أضعاف ما تعارف عليه الجميع سابقا، لسبب بسيط وهو رفضها لأيّ تغيير تراه قد يمسّ ركائزها العنصرية الموروثة عن الأسلاف، المتمرّد على قبيلته في زمن انسداد الأفق يواجه القوّة الهائلة المدعومة بكافة المصادر الهامّة في هذا العالَم، هذه القوّة التي يتمتّع بها حرّاس معابد القبيلة من أجل اضطهاد كلّ طامح من أفراد هذه القبيلة عينها في حياة أفضل.

فرق كبير بين من يرى النور وهو محاط بمؤسسات ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير وإبداء الرأي، ومَن يمضي عمره كلّه مهزوزا من الداخل، عليه الخضوع إلى الأوامر التي عليه تطبيقها بلا نقاش أو اعتراض، وإلاّ سيجد نفسه خارج الإطار المعيشي تماما.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version