عالم بلا طفولة

عالم بلا طفولة

كنت طفلة مرحة خجولة كما هو حال بني جيلي، لا تعي من الحياة غير عالمها المنحصر في “مغامرات مارتن، كابتن الماجد، الجاسوسات”، في صعوبتي لحفظ النصوص القرآنية، جدول الضرب، الإعراب، والتشكيل، في تعظيمي لأستادي، في احترامي للأكبر مني سنا، في ابتعادي عن المشاكل، في حلويات أبي وحديثه، وحكاويه التي لازالت ترافقني لليوم، في القليل من الدراهم التي كانت تفرحني لأشهر عديدة، في حبي لأمي الذي لطالما كان يقويني في محاولتي للتشبه بها لأنها مثالي للقوة الصبر والالتزام، في شغبي اللامتناهي مع إخوتي في خوفي عليهم، في صديقاتي وألعابي التي جرى عليها الدهر لتنسى: كالغميضة، الحبل الحجلة، البلي..

جمال مراحل الطفولة لا زال معي بدون ملل أو كلل، تتدحرج بي الأيام لأصبح في مدرسة شاسعة يتسع فيها عالمي حد الفضاء، إلى رغبتي قي أن أصبح ما عليه أنا الآن، كانت أيام معاشة بكل معانيها بعيدا عن عالم الإنترنت الذي سرق فرحة الأجيال خاصة أيام الصبا، يحز في النفس أن يعيش الطفل أكبر من سنه، أن يتشبه بإمعة الناس وبغير المثال السوي وأن تشوه المعايير داخله بكبسة زر، أن يعيش في الضياع.

في وقتنا صار كل شيء متاح وسهل، لكن متعة الشعور بقيمة الأشياء ضاعت واندثرت، كبناء النفس السوية، كتشرب الحق، كعيش المراحل العمرية بشكل طبيعي سليم..

هويتنا البشرية تفسخت، تبرمجنا في شبكة عنكبوتية أرمت بخيوطها علينا فصرنا من أصحاب أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، كبيرنا وصغيرنا في دوامة الإنترنت، في عالم التواصل الاجتماعي الذي قتل فأمحى التواصل بين الأفراد وخنق المجتمع..

استهداف البراءة الطفولية شيء مخزي فتجد الطفلة امرأة متكلمة بأفكار مرعبة، والطفل بألعاب عنيفة وعبارات مخيفة، انسلاخ فطري وهتك للصفاء الطفولي قلبا وقالبا، عصرنا فيه تتم صناعة أطفال فارغين عاطفيا، أخلاقيا مضمونا وشكلا، اختفاء لهوية الطفل لأمر مخيف..

الفيسبوك، التويتر، الواتساب، الفايبر، الانستقرام: كلها تطبيقات لعملة واحدة، فكر ربحي أكثر ما هو تقريبي وتواصلي، إدمان الناس عليه جعله يصنف مرض العصر كغزو للبشرية، حاله حال الإدمان على القمار والخمر وجب علاجه لتعود لحياتك الطبيعة.

فإدمان الإنترنت يؤثر سلباً على حياة الأشخاص وصحتهم، فالتوتر والقلق النفسي أصبح لصيقا بانقطاع الاتصال بالإنترنت، فيصعب التعامل مع الضغوط اليومية وما خفي كان أعظم..

اللهم اعتدالا في هاته الدوامة الرهيبة، اللهم اجعلنا من أهل لا تكن لينا فتعصر أو قاسيا فتكسر، واحفظ أطفالنا بعينك التي لا تنام.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version