عام كبرناه

عام كبرناه، وها هو يسحب من عجين العمر كالشعرة الرقيقة، وها نحن يا هبلي المشتهى نزداد جنونا بنا معا، وأزهار عشاق نبتوا في جنبات واد الدم والغدير..

سبع مائة وستين بعد ثماني آلاف ساعة، عمر سنة تتبختر تحشرجا في حلق الزمن، مغادرة جراب العمر، بساعات من ألم وحب، شوق وغياب..

إنها ثلاث مائة وخمس وستين يوما، يا عمري الهارب، تمضي موقعة سنة أخرى من عمرنا معا، شاب فيها حبنا شجنا، ونحن نطاعن ريح الغياب بأظافرك القصيرة، وأظافري المقلمة عضا في حساب وقت الإياب الممطط واللزج..

حول ينصرم حبله نحو اللارجوع، أيتها المعشوقة الأبدية، ونحن في مجاز الشوق نقف على ناصية اللقاء، يمسك كل منا يد الآخر بكل عنفوان العشاق، وحرارة جذوة الحب، صامتين لمشهد الرحيل المهيب لسنة كادت تعصف بنا نحو العدم.. وها نحن تفرقنا المسافات القميئة دون أن نتحرر من عناقنا الأبدي، ودون أن ينْبَّتَ تشابك الأيادي المتوضئة بعرق الوصال المقدس..

نمضي معا، في نشوة الحلم والكرى، عكس مصير العام الماضي، ممسكين ببعض من تلابيب قلبينا، وقد غفلت عيوننا عن عالم تخلى عن جبروته، ووقف يراقبنا بحنو النوء على الأرض، وفضول الجواسيس، وكل يراقب صورة الحب النادر في أرض الطلح والصمغ بطريقته الخاصة، ونحن في تعبد الصمت غير مبالين، كتمثالي وله من مرمر، أو كعابري سبيل..

عام يمضي يا كاتبتي المهمومة حد المتاهة، يا صوتي المبحوح، يا بحتي الحزينة مثلي، يا فيروز التيه والهبل، وأن يمضي عام علينا ونحن نكتب للحب بحزن، معناه أننا أشقياء وتعساء حتى النخاع، نبلسم حرائق مولوتوف الحياة بحبر الدواة، نصرخ بصمت الأبجديات ملء حروفها، لنقول فقط نحن هنا، إثنان في الحب ولا أحد..

ومن عينيك الوثنيتين، يا عمري الهارب، ينبت شيء من تيهي وهروبي من نفسي، فلا أهرب منك إلا إليك، ينبت شجر الكناية، وشوك النكاية، فأستلهم الحرف من توهج الحب فيها، وأشحذ يراعي في سفح أهدابها قبل أن أغرزه عمق سويداء الغياب والشوق والمسافات..

عام يمضي كل شيء فيه صدى لهمسك لي ذياك المساء البارد طقسا والدافئ بأنفاسك، قبل هطول المطر وتحدث الصمت: ”أحبك ولا تسألني لم أحبك، فليس لدي خيار، وليس لديك خيار”!!..

ها هو العام قد كبرناه معا، يا ولادة الكثيب، ولا نملك خيارا آخر، غير أن نندفن في بعض ونضغم انصهارا، كالميت وكفنه، ونحن متنا حبا، وكل منا كفن للآخر..

وها أنا أقتبس لعيونك المتوحشة، بيت شعر من نونية ابن زيدون، هدية رمزية لعام جديد، أما هديتي لك يا أنا الغائبة عني، فهي لك حين نرتشف النظرات من أكواب عيوننا ذات لقاء..

لا تحسبـوا نَأْيكـم عنـا يُغيِّـرنـا أن طالمـا غيَّـر النـأي المحبينـا

والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاً منكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version