عصيان قلم

منذ أكثر من أسبوع لم أكتب شيء، وكأن قلمي يعاندني، أفكر وعندما أمسك بالقلم تتبخر كل أفكاري في الهواء، فكرت ثم فكرت فلم أجد لي حلا يجنبني تلك المشكلة، وكأن الدنيا بأكملها أصبحت ظلمة علي حياتي، هي الكلمات والأفكار التي في وجداني، عدم خروجها إلى الواقع يسلبني لذة الحياة، هو قلمي كيف يعصيني، هي أفكاري كيف تتحاشاني، هي أوراقي كيف تتناثر من أمامي وكأنني شيطان في فلم رعب لا تستطيع الكلام إليّ وأنت مكشوف أمرك، هي حمى أصابتني وأصابت قلمي أفكاري أوراقي وجداني سكينتي، كيف لي أن أخرج من هذا البئر العميق الحزين.

ثم أخذت المبادرت وهممت بالكتابة، خرجت إلى الشرفة وبيدي فنجان شايٍ صنعته يدا أمي التي تزيح الحزن من صدري وكأنه قطعت قماش صغيرة وقعت عليه، أخذت أعطي العنان لأفكاري، أفكر المرة تلو الأخرى كلما هممت بالكتابة تبعثرت كل الأمنيات، قلت في نفسي كيف السبيل إلى الخروج من هذا المعزل العصياني..

فلم أجد لي حلا سليما وبعد أخذ ورد طويل مع نفسي قررت ألا أعود إلى الغرفة إلّا وبعد الانتهاء من كل تلك الأماني، أخذت أكتب وأكتب دون مبالات بما حولي وكأنني في هذه الدنيا وحدي أو كأنني في غابة لوحدي وأحاول الخروج منها أو في معزل مخيف لوحدي وأحاول النجات بروحي، أكتب ثم أكتب وبعد لحظات طويلة لم أكن أنا نفسي فيها، إنما هي روح المغامرة عندي، وجدت نفسي قد ملأت الأوراق خطا عبثيا لا فكرة فيه ولا عبرة عندها تيقنت أنني مهما أرد فإن قلمي ليس بكاتب اليوم وليس بمعبر عن ما يجول في خاطري اليوم، وأنه قد تركني وحيدا في ظلمتي، وحيدا أواجه أفكاري بنسياني.

فوجدت نفسي في معزل عن هذا الكون كله لأنه؛ بدون تلك الأفكار التي تصدر من أعماق وجداني لا حياة لي، فجلست كما المهزوم علني أجد من ينقذني، ما أصعب تلك الحظات على قلبي وكأنه طعن ألف طعنة بسيف حاد ،إنما كطلقة سلاح عابرة أصابتني فأوقعتني أسيرا لأعدائي..

تلك الحظة كانت أصعب لحظة مرت بي منذ أمد بعيد، تركتني محطما ومبعثرا في أحزاني أصارعها ولا أمل لي بهزيمتها، لقد استسلمت كليا ليأسي، بسبب قلمي العاصي، لقد عصاني بعد الصحبة الطويلة، بعد صحبة قاربت خمسة عشر سنة أو أكثر، آه منك آه منك، لقد أنكرت تلك الصحبة الطويلة وتركتني وحيدا منعزلا في هذا الكون الضيق الصغير، الذي كنت أنت فيه نوري وبياني وشمعتي التي تنير لي طريقي في أحلك الليالي المظلمة.

لكن أنا لن أتركك، لن أنكر صداقتنا مثل ما فعلت أنت، سأنتظر واعتبر هذا كله كما لو كان حلما أو خيالا سأنتظرك وأعتبر أن عصيانك هذا إنما هو استراحة محارب صال وجال في كل الميادين، استراحة عادلة بالنسبة لي، استراحة ستعود منها للكر في كل ورقة وكل خاطرة، وكل نفس عدوانية وبعد عودتك لا مجال للفر والرجوع؛ بل سيكون هناك فقط الكر ثم الكر.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version